منذ خمس ساعات الاحتجاجات... والاعتصامات، هي الوجع الذي تئنّ منه تونس اليوم رغم مرور خمس سنوات على ثورة يناير 2011.
لم تنصت الحكومة لتحذيرات المعارضة، الراديكالية منها والمعتدلة على حدّ سواء، التي كانت تنبّه إلى هذه النتيجة، وظل الائتلاف الحاكم (الذي يتألف من 4 أحزاب)، يتجاهل هذه التحذيرات، ويعتبرها جزءا من بروباجندا انتخابية سابقة لأوانها حينا، ويصفها حينا آخر بـ "المزايدة السياسية"، و"الخطاب الشعبوي".
لكن اندلاع هذه الاحتجاجات قبل أسبوعين، جعل حكومة السيد الحبيب الصيد، والأحزاب التي تسندها، تعيد حساباتها، خصوصا بعد أن اتسعت رقعة الاحتجاجات إلى نحو 14 محافظة، وباتت تنذر بالتمدد في جغرافيتها، بما فتح المجال للحديث عن "ثورة ثانية".
غيّرت السلطة من سرعتها.. بدّلت طريقتها في المعالجة.. أخرجت بعض الإجراءات التي كانت نائمة في أدراج المكاتب.. أعادت ترتيب أوراقها المبعثرة هنا وهناك.. حتى عندما ساءلها مجلس نواب الشعب (البرلمان)، بدت إيجابية وصاحبة مبادرة، واستطاعت أن تخفف من وطأة النقد الموجه لها.
أدركت الحكومة، ومن ورائها الائتلاف الحاكم، أن مشية الفيل غير كافية في سباق الثيران الباحثة عن لقمة تسدّ بها رمقها.. وأيقنت أن الشغل، استحقاق وطني، وحاجة اجتماعية، وضرورة سياسية واقتصادية، قامت من أجله الثورة، واندلعت بسببه الاحتجاجات الأخيرة التي لا تزال مستمرّة إلى الآن في شكل اعتصامات للمعطلين عن العمل.. وإضرابات لذوي الحاجة إلى أدنى مستويات الكرامة الإنسانية والاجتماعية.
وهكذا، نجحت جحافل المعطلين والمهمشين والمفقّرين في غالبية المحافظات التونسية، في إجبار الحكومة على تغيير معادلاتها، باتجاه البوصلة التي جاءت بها إلى الحكم، بل التي قامت من أجلها ثورة يناير 2011، أي التشغيل وتحسين الأوضاع المعيشية للمواطنين.
لكن الأهم من كل ما حصل خلال الأسبوعين الماضيين، هو أن تونس لم تعد تحتمل حكما بلا تصورات وسياسات وإستراتيجيات، أو أحزاب بوصفة من الوعود الزائفة، أو دولة تتفرج على معاناة شعبها، وكأنها أمام فيلم هوليوودي دراماتيكي.
لقد كانت رسالة المحتجين واضحة لمن يقرأ بشكل جيّد: إن الحكم بمنزلة الباب الدوار، لا يدري أصحابه متى يجدون أنفسهم خارج حركته اللولبية.. والأهم من كل ذلك، أن الاحتجاج، يعدّ علامة صحية في مجتمع أرهقته عقود التحديث المغشوشة، ونسب النمو المفتعلة، والاستبداد الناعم.
خرجت تونس من الامتحان بأخف الأضرار، لكن هل استوعب الحكام الدرس حقيقة؟
عن صحيفة الشرق القطرية