العلاقات السعودية الباكستانية متجذرة في ثوابتها وأسسها المصالحية المشتركة، وعميقة في تعاطيها مع الأحداث والأزمات السياسية والعسكرية تحديدا، حيث لا يزال البلدان الشقيقان يمثلان عمقا استراتيجيا أحدهما للآخر، منذ توقيع اتفاقية الشراكة الإستراتيجية بينهما في عهد الجنرال ضياء الحق، وقبله معاهدة الصداقة 1951 في عهد الملك عبدالعزيز، كما يحملان هموما مشتركة للأمة الإسلامية في مكافحة الإرهاب ومظاهر التطرف، وتعاونا عسكريا على مدى عقود في التدريب وتبادل الخبرات ونقل التقنيات، واقتصاديا في تصدير العمالة الباكستانية للمملكة التي تقدر تحويلاتها سنويا بخمسة مليارات دولار، إلى جانب التبادل التجاري المتنامي بين البلدين، وتسهيل وصول الحجاج والمعتمرين إلى الأراضي المقدسة.
هذه العلاقة لا يمكن أن تتأثر بموقف هنا أو هناك، أو تتمدد فيها المصالح إلى حيز التأثير والتدخل في الشأن الداخلي لكل بلد، ولكنها علاقة راسخة، ولا يمكن أن تنحرف عن مسارها تحت أي ضغط، أو مزايدات سياسية، أو ابتزاز من قوى دولية؛ لأن ما يجمع البلدين الشقيقين يعد من الثوابت السياسية لكل بلد، والشواهد على ذلك كثيرة، وتحديدا في الزيارات المتبادلة بين القادة والمسؤولين، منذ زيارة الملك سعود 1954 وتسلّم مفتاح كراتشي، والملك فيصل العام 1966 وسُميت مدينة بأكملها باسمه (فيصل آباد)، والملك فهد 1980 بعد الغزو السوفيتي على أفغانستان، والملك عبدالله في 2003 بعد الغزو الأمريكي على العراق، والملك سلمان 2014 بعد ثورات الربيع العربي، حيث تظهر تلك الزيارات عن مدى العلاقات التاريخية بين المملكة وباكستان، والتنسيق المتبادل منذ عقود لمواجهة الأخطار المحيطة بالمنطقة، ومصالح البلدين على وجه الخصوص، ومساندة كل طرف للآخر في أوقات الأزمات، إلى جانب استثمار الإمكانات العسكرية الباكستانية، لتطوير القدرات القتالية للجيش السعودي.
هذا التاريخ الطويل من العلاقات حاول "اللوبي الإيراني" أن يتعارض معه، ويفقده توازنه، وتوجهاته، خاصة بعد موقف البرلمان الباكستاني ضد المشاركة مع قوات التحالف في عاصفة الحزم، مع العلم أن وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف كان موجودا في إسلام آباد قبيل عملية التصويت، وهو ما يعطي انطباعا، وربما هاجسا أن إيران تدرك أن العمق السعودي في باكستان، ومن الضروري لديها العمل على ردم هذا العمق، من خلال استغلال تخاذل الولايات المتحدة الأمريكية لدورها في المنطقة، وتوقيعها الاتفاق النووي لدول (5+1)، وإغراء باكستان باستثمارات وصفقات سلاح، وآخرها كان مشروع الغاز الذي توقفت تمديداته عند الحدود الباكستانية.
"اللوبي الإيراني" من تجار ونخب وعلماء وإعلام كان يسابق الزمن في باكستان، ويعمل على الأرض منذ سنوات ليست قصيرة، وزاد مع حركته نسبة التشيّع هناك، بل أصبح مستوى التمثيل عاليا في دوائر القرار السياسي داخل الجيش ووزارة الدفاع والحكومة والبرلمان من الطائفة الشيعية، وهو ما ترك تأثيراً على مستقبل علاقات باكستان وقرارها السياسي، وهو ما تخشاه المملكة، رغم أن الواقع يقول غير ذلك، ولكن علينا ألا نرتهن لواقع لا نكون مؤثرين فيه، أو يتوقف عند مجاميع أو فعاليات شعبية لا تملك قرارا سياسيا.
زيارة ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى باكستان هي امتداد لعمق العلاقة، وثوابتها، ولكن ظروفها وتوقيتها مختلفان تماما، فالمنطقة العربية تشهد أسوأ حالاتها السياسية والأمنية، والمشروع الإيراني الطائفي يتمدد على أكثر من قطر عربي، والجماعات والمليشيات الإرهابية تقاتل بالوكالة عنها، وأمريكا تخاذلت، والمصالح الغربية أصبحت مسيّسة للضغط على حقوق الإنسان والحريات، وبالتالي يحضر الأمير محمد بن سلمان إلى باكستان وهو يحمل هموم أمته، ويراهن على أن تاريخ العلاقة بين باكستان والسعودية أقوى من أن تتراجع، أو تُختطف لصالح إيران، كما يحمل ولي ولي العهد فكرة تطوير الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، والتحالف معا في مواجهة الإرهاب، وتنمية صفقات التسليح، وعمليات الدفاع المشترك، والتدريب والتأهيل للعنصر البشري المقاتل، وهي خطوات مهمة نحو مستقبل أكثر وضوحا وثباتا في العلاقة بين البلدين.