نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا لروبرت وورث، حول الضجة التي أثارها قرار
السعودية إعدام المعارض الشيعي نمر
النمر على المستوى العالمي، حيث اتهمت السعودية بالاستفزاز وإثارة النعرات الطائفية في الشرق الأوسط.
ويستدرك التقرير بأن الأمر بالنسبة لكثير من السعوديين كان لا يعدو كونه تطبيق العدالة في حق شخص، كان ينظر إليه على أنه خائن خطير في بلد يشعر فيه الجميع بأن
إيران تحاصرهم، ولذلك يظهر أن إعدامه حظي بشعبية كبيرة حتى من منتقدين للحكومة السعودية.
ويشير الكاتب إلى أن بعض السعوديين يذهبون إلى أبعد من ذلك، ويقولون إن السعودية بقطعها لرأس نمر النمر سحبت البساط من تحت تنظيم الدولة، واحتلت المركز الأول في الدفاع عن المسلمين السنة ضد التحدي الشيعي.
وتنقل الصحيفة عن عبدالعزيز القاسم، وهو محام من الرياض ومعارض سابق، وقد سجن في تسعينيات القرن الماضي لانتقاده النظام، قوله: "كان الناس ينتظرون تلك الإعدامات، ومعظم السنة والشيعة يؤيدونها، كان ينظر إلى النمر على أنه المتحدث باسم النظام الإيراني، مثل حسن نصر الله، كان رجلا يحاول الاستيلاء على الدولة هنا".
ويلفت التقرير إلى أن هذه النظرة ليست عامة، بل كان هناك بعض الاحتجاجات الصغيرة في المنطقة الشرقية ذات الأغلبية الشيعية، حيث كان يعيش الشيخ النمر، حتى إن بعض المتظاهرين هتف بالإطاحة بآل سعود. مشيرا إلى أنه قد يكون هناك معارضون آخرون التزموا الصمت؛ بسبب خطر المعارضة.
ويورد وورث أن عددا من المعلقين أشاروا إلى أن الحكومة السعودية كانت ستقع تحت المزيد من الغضب الشعبي، لو لم تعدم الشيخ النمر في الوقت الذي أعدمت فيه 43 سنيا متهمين بالإرهاب.
وتذكر الصحيفة أنه مع أن إعدام النمر لم يكسب السعودية أي مؤيدين في مناطق تنظيم الدولة، إلا أنها وضعت هؤلاء المتطرفين في موقف دفاع، بحسب استعراض ما ينشره الجهاديون على الإنترنت، قام به ليث الخوري، المؤسس الشريك لـ"فلاش بوينت" وهي شركة تحليل في نيويورك. فحذر أحدهم في منتديات تنظيم الدولة الرسمية على الإنترنت من أن السعودية تحقق دعاية لنفسها، محذرة طهران من "أنها قادرة أيضا على تحريك المسلمين، وتشكيل جبهة ضد مصالحكم".
ويجد التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، أن هذا قد يكون من مفارقات حالة الاستقطاب السائدة في الشرق الأوسط، حيث أصبحت أسهل طريقة لكسب عقول الناس وقلوبهم في الحرب ضد التطرف هي العزف على الوتر الطائفي، وهو ما سيتضرر منه الجميع على المدى الطويل.
وينوه الكاتب إلى أن إعدام 43 جهاديا سنيا، بالإضافة إلى النمر وثلاثة شيعة آخرين، أثار غضبا على الإنترنت بين مؤيدي تنظيم الدولة وتنظيم القاعدة، حيث كان أحد من نفذ بهم الإعدام هو منظر لتنظيم القاعدة اسمه فارس الشويل، وكان يحظى باحترام واسع أيضا بين أعضاء تنظيم الدولة. ولكن الشويل وغيره من الجهاديين الذين أعدموا كان قد صدر الحكم ضدهم من فترة طويلة، ولم يحصلوا على أي تعاطف من الشعب السعودي، الذي عانى من حملة إرهابية محلية شنها تنظيم القاعدة قبل 10 سنوات.
وتذهب الصحيفة إلى أنه رغم أنه من الصعب قياس الرأي العام في السعودية، ولكن "تويتر"، الذي سمحت من خلاله الحكومة بمساحة من حرية التعبير، شهد سيلا من تأييد الإعدامات، مع غضب واتهام بالنفاق للطريقة التي صور فيها الأمر في الغرب.
ويورد التقرير مثالا على ذلك ما كتبته ابتسام الكتبي: "أعدم النظام الإيراني مئات السنة العرب، فهل شهدتم السعودية تطلق حملة ضد السيادة الإيرانية على أرضها؟". كما أشار العديدون إلى أن إيران حمت أعضاء من تنظيم القاعدة بعد هجمات الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر.
وينقل وورث ما كتبه كاتب العمود في صحيفة الرياض الحكومية، علي الخشيبان، الذي قال إن الشعب السعودي لم يكن إيجابيا فقط في رد فعله على الإعدامات، بل إنه دفع باتجاه تنفيذها.
وقال الخشيبان: "الجميع عرف تاريخ هذا الإرهاب؛ لأننا جميعا، نحن والوطن، قد عانينا وتألمنا كثيرا، لقد كان المجتمع أكثر إصرارا من الدولة في ضرورة تنفيذ شرع الله في هذه الفئة الضالة المنحرفة عن الدين، وفي الوقت ذاته كانت الدولة تتعامل مع الموقف بكل حكمة وعقل، فكثير من أبناء المجتمع كانوا أيضا ضحية التضليل الذي مارسته جماعات الإرهاب؛ لأن الإرهاب أراد أن يؤذينا عبر أبنائنا وطوائفنا المتجانسة، فكانوا مطية لهذا الفكر الإرهابي".
وتلفت الصحيفة إلى أن الكاتب عبد العزيز القاسم أشاد بجرأة الملك سلمان، بإعدامه نمر النمر، حيث وقف في وجه كل من قال له إن هذه قضية حساسة، مشيرا إلى أنه بإعدام النمر دمر المشروع الإيراني في المملكة.
ويفيد التقرير بأن كثيرا من المواطنين يتفقون مع ذلك، فمثلا قال خالد العامري (36 عاما) ويعيش في الرياض، وهو يعمل لحسابه الخاص: "لا أفهم أولئك الذين يعارضون، فنحن نتحدث عن إرهابيين خضعوا لمحاكمات عادلة". وأضاف: "علينا أن نقاتل الإرهابيين"، مشيرا إلى أن تنظيم القاعدة والشيخ النمر "لم يشعروا بالأسف لضحاياهم، ولا لأهالي ضحاياهم".
ويستدرك الكاتب بأن فاطمة البالغة من العمر 50 عاما وتعيش في الرياض، وطلبت عدم ذكر اسمها الكامل، تقول إنها تخشى بأن تؤثر الإعدامات على أمن ولديها اللذين درسا في المنطقة الشرقية، اللذين يصادقان عددا من
الشيعة. وقالت: "ماذا سيحصل لأبنائي؟ هل سيعاملان كالسابق؟ ومع هذا التوتر كله بين السعودية وإيران تنسى الحكومة أمرنا نحن السنة، الذين لا مشكلة لديهم مع الشيعة".
وتنوه الصحيفة إلى أن بعض الكتاب والمحللين في الصحف الغربية عبروا عن مثل هذه المخاوف، ولكن القليل منهم أشادوا بالسعودية لأنها لعبت هذه الورقة ببراعة. فقال أستاذ دراسات الشرق الأوسط في جامعة برنستون، والاختصاصي في شؤون السعودية، البروفيسور برنارد هيكل: "إنها ضربة معلم على المستوى المحلي، ما لم تخرج عن إطار السيطرة مع الإيرانيين".
وبحسب التقرير، فقد استفاد السعوديون من الذي حصل بعد الإعدامات من مهاجمة للسفارة السعودية وتخريب لها، الذي أدركت الحكومة الإيرانية أنه كان خطأ، وركز الدبلوماسيون السعوديون على اعتماد إيران على العصابات، واستخفافها بالأعراف الدولية.
ويقول الباحث والأكاديمي خالد الدخيل إن خمس سنوات من الحروب الأهلية الإقليمية، تركت حاجة للشعور بأن هناك حكومة قوية أمام إيران، التي تدعم المليشيات في سوريا ولبنان واليمن.
وتختم "نيويورك تايمز" تقريرها بالقول: "يبدو أن الاعتبارات المحلية هي التي أدت دورا في قرار إعدام النمر، إلا أن السياسة الإقليمية قد تكون أدت دورا أيضا، فقد دخلت السعودية في مفاضات حساسة في تشرين الثاني/ نوفمبر وكانون الأول/ ديسمبر، حول الرئاسة في لبنان، وتنازلت السعودية عندما وافقت على شخص موال لبشار الأسد ليكون رئيسا، ومع هذا تعطلت العملية، وتلوم السعودية إيران على ذلك، وربما توصلت إلى أن العملية الدبلوماسية وصلت إلى طريق مسدود".