أثار إقدام الحكومة الموريتانية مؤخرا، على إغلاق معاهد ومدارس قرآنية في مناطق متفرقة من البلاد، بدعوى عدم امتلاكها تراخيص رسمية، استهجانا في أوساط شعبية، وردودا غاضبة من علماء ودعاة موريتانيين.
وأغلقت الحكومة الموريتانية خلال أسبوع واحد، ابتداء من 21 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، قرابة 40 مدرسة قرآنية في عدة مقاطعات، وهي العيون، وكوبني، والطينطان، وذلك بعد أيام من إغلاق فرع معهد ورش في مدينة جكني بولاية الحوض الشرقي، وإغلاق مدرسة الإمام مالك النموذجية في مدينة النعمة شرق البلاد، فيما تزامن ذلك مع إرسال السلطات الموريتانية بعثة تفتيش لمركز "تكوين العلماء" الذي يديره الداعية المعروف، محمد الحسن ولد الددو، في خطوة وصفها البعض بـ"السياسية".
وتصاعد الجدل في البلاد، بعد توحيد خطب الجمعة في عدد من المساجد، للتنديد بالقرار الحكومي الذي يعد سابقة في تاريخ
موريتانيا التي ينظر إليها على أنها بلد محافظ.
بوادر مواجهة في الأفق
وشكلت الدعوة التي وجهها الشيخ محمد الحسن ولد الددو، للتصدي للحملة الحكومية التي استهدفت
المدارس القرآنية، بداية فعلية لتصاعد حدة الاحتجاج، ورأى مراقبون أنها قد تكون بداية مواجهة ولي أذرع بين الإسلاميين والسلطات، خصوصا أن جميع المعاهد المغلقة تدار من قبل أشخاص محسوبين على التيار الإسلامي بموريتانيا.
واستنكر الشيخ الددو، في كلمة بمسجد أبي طلحة في نواكشوط الخميس الماضي، القرار الحكومي، مشيرا إلى أن بلاد شنقيط (موريتانيا) عرفت قديما وحديثا بأنها بلاد الكتاتيب القرآنية، وعرف أهلها بتعلقهم بكتاب الله، كما قال.
بدوره، قال رئيس حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية الإسلامي، محمد جميل ولد منصور، إن حزبه يرفع الصوت عاليا برفض القرار الحكومي بإغلاق المعاهد، مضيفا خلال تجمع حزبي الأسبوع الماضي: "أستغرب أن تغلق المعاهد والكتاتيب القرآنية في بلد لا يُذكر في العالم إلا بالمعاهد القرآنية والعلماء".
الحكومة تستنفر روابط العلماء للرد
وبحسب مصدر تحدث لـ"عربي21"، فإن اجتماعا عقد السبت الماضي، بدعوة من وزارة الشؤون الإسلامية، لمناقشة تطورات ملف إغلاق المعاهد، حضره العلامة حمدا ولد التاه، وأغلب أعضاء رابطة علماء موريتانيا.
وقال المصدر إن المشاركين في الاجتماع اتفقوا ضرورة اتخاذ إجراءات عملية؛ للرد على الموقف الأخير للعلامة محمد الحسن ولد الددو.
وأضاف المصدر، طالبا عدم ذكر اسمه: "لقد اتفق المشاركون في الاجتماع على تنظيم لقاءات صحفية الأيام القادم، والظهور بشكل أكثر في وسائل الإعلام الرسمية للدفاع عن قرار الحكومة وتبرير دوافعه".
واعتبر المصدر أن البيان الذي صدر مساء الأحد عن أكثر من 50 منظمة وهيئة حقوقية تنتقد خطاب الشيخ الددو، يعد أولى نتائج الاجتماع.
وقاد بادرت رابطة علماء موريتانيا، مساء السبت، بنشر بيان استنكرت فيه ما قالت إنها دعوات "للفتنة والتفرقة والإخلال بالأمن".
وقال بيان رابطة علماء موريتانيا، الذي أرسلت نسخة منه لـ"عربي21"، إنها تربأ بجميع الشخصيات الإسلامية أن تكون طرفا في الموضوع، فيما دعت جميع المعاهد المدارس القرآنية إلى الالتزام بالضوابط القانونية والإدارية التي قالت إنها وضعت من أجل حماية العملية
التعليمة في البلاد.
من المتضرر؟
ويرى الناشط الحقوقي والقيادي في منظمة "ميثاق لحراطين" محمد ولد امبارك، أن المتضرر الأول من إغلاق هذه المعاهد هم الشرائح الأكثر فقرا من أبناء الأرقاء السابقين، الذين قال إن مثل هذه المعاهد توفر لأغلبهم تعليما جيدا وبشكل مجاني.
ووصف ولد امبارك، في تصريح لـ"عربي21"، القرار الحكومي بأنه "ضربة قوية" واستهداف واضح للعاملين في مجال العمل الخيري، مستغربا بيان من سماهم "علماء صف السلطة"، وقال إنه لم يقدم مبررات مقنعة للقرار الذي اتخذته الحكومة.
أما نقيب الأساتذة السابق، محمد ولد الرباني، فقد علق عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" بالقول إن السلطات تهدف من خلال القرار إلى الاستفادة من أموال التحالف الإسلامي ضد الإرهاب، من خلال "تصوير البلاد وكرا من أوكار الإرهاب ومصنعا من مصانعه، وفي هذا السياق تأتي محاربة الدارس والمعاهد القرآنية، غير مقدرة ما قد ينجم عن ذلك من مخاطر"، بحسب قوله.