تقول مجلة "فورين بوليسي" في تقرير أعده بول ماكليري، إن استعادة القوات
العراقية مدينة
الرمادي من يد مقاتلي
تنظيم الدولة، يضع الحكومة العراقية أمام تحديات جديدة، وهي استعادة مدن مثل الفلوجة والموصل، وإقناع سنة العراق بأنه يمكنهم الثقة بالحكومة التي يسيطر عليها
الشيعة في بغداد، والعودة إلى بيوتهم، والبدء ببناء بيوتهم ومعيشتهم من جديد.
ويقول الكاتب إن الحصار الذي فرض على مدينة الرمادي، واستمر لشهور، انتهى قبل أيام، بعدما اخترقت القوات العراقية حقلا من حقول الألغام وغيرها من المعوقات، التي وضعها التنظيم لعرقلة تقدم
الجيش العراقي. وفي الوقت ذاته شنت طائرات التحالف، الذي تقوده الولايات المتحدة، أكثر من 630 غارة جوية على أهداف للتنظيم داخل المدينة.
ويستدرك التقرير بأن التقدم نحو المدينة لم يعتمد كثيرا على القوة الجوية الأمريكية، ولا على المليشيات الشيعية، التي أدت دورا في استعادة مدينة تكريت وبيجي، بعد تراجع الوحدات النظامية التابعة للجيش.
وتذكر المجلة أن الكثير من المحللين عبروا عن مخاوفهم من استمرار حكومة بغداد بالاعتماد على المليشيات الشيعية، وبالتالي تنفير العرب
السنة أكثر وأكثر.
ويبين ماكليري أنه بعد طرد مقاتلي تنظيم الدولة من مدينة تكريت بداية العام الجاري، تحدث السنة الهاربون من المدينة بعد دخول المليشيات الشيعية لها، عن قتل عدد من الناس العزل فيها، وتحدثوا عن قيام المليشيات بنهب وحرق بيوت سكانها، واعتقال 200 شخص دون ذنب.
وتورد المجلة أن تقريرا أعدته منظمة "هيومان رايتس ووتش"، ونشرته في أيلول/ سبتمبر، واستخدمت فيه صورا فضائية، أظهر مدى الدمار الذي تسببت به هذه المليشيات بعد السيطرة على تكريت. وعلى ما يبدو فقد حالت حكومة بغداد بين المليشيات الشيعية والمشاركة في العملية الأخيرة في الرمادي، واعتمدت بدلا من ذلك على القوات النظامية التي تلقى بعض أفرادها تدريبا على يد القوات الأمريكية.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن الولايات المتحدة نشرت عددا من المدربين في العراق، وذلك بعد سقوط مدينة الموصل في حزيران/ يونيو 2014. مستدركا بأن العدد زاد منذئد إلى 3500 مدرب ومستشار أمريكي. ويعد دخول مدينة الرمادي أول محاولة تقوم بها القوات العراقية التي أعيد تدريبها وتسليحها.
ويلفت الكاتب إلى أن تنظيم الدولة قام بتدمير عدد من الجسور المقامة على نهر الفرات، في محاولة منه لمنع تقدم القوات العراقية، ولكن الجيش الأمريكي منح القوات العراقية جسرا عائما على قناة الثرثار، وهو ما سهل دخولهم إلى المدينة، بعد تزويدهم بقنابل ومقذوفات وصواريخ حصلوا عليها من الأمريكيين.
وترى المجلة أن "فتح الطريق إلى الرمادي، من خلال الجسور العائمة، كان أكثر أهمية من الدبابات وأنظمة التسليح التي قدمتها الولايات المتحدة للعراقيين خلال السنوات الماضية، وتعد امتحانا كبيرا للقوات العراقية، التي سيطلب منها فعل الشيء ذاته في الموصل، التي يقسمها نهر الفرات إلى قسمين. ولهذا قام مقاتلو تنظيم الدولة بتدمير عدد من الجسور في المدينة بانتظار الهجوم عليها. وبالتالي فقد منحت معركة الرمادي دليلا للهجمات القادمة ضد تنظيم الدولة: قوات برية ضاربة ترافقها ضربات جوية لا تتوقف".
وينقل التقرير عن أحمد علي من معهد الدراسات الإقليمية والدولية في الجامعة الأمريكية في العراق في السليمانية، قوله إن انتصار الرمادي "أظهر فاعلية الغارات الجوية للتحالف، التي ترافق قوات ميدانية"، فالقوات البرية التي ضمن قوات عراقية خاصة والجيش، بالإضافة إلى خمسة آلاف مقاتل من أبناء العشائر العربية، ستؤدي دورا كونها قوة متماسكة.
وينوه ماكليري إلى أن أساليب التقدم إلى الأمام أصبحت واضحة، إلا أن حكومة بغداد بحاجة للبحث عن طرق لتحقيق السلام في قلب المناطق السنية، وهي عملية طويلة وأصعب من القتال ذاته. مشيرا إلى أن معركة الرمادي ستظهر الكيفية التي ستظل فيها المليشيات الشيعية والداعمون السياسيون لها في بغداد على الهامش، مع بداية المعركة على الأنبار.
وتنقل المجلة عن الجنرال المتقاعد مايكل بريجنب، الذي يعمل في معهد هدسون، قوله: "يصبح السنة أكثر شكا عندما يرون أن استراتيجيتنا متحالفة وداعمة للقوات العراقية التي اخترقتها المليشيات الشيعية"، لافتة إلى أن هناك قضية أخرى تتعلق بعملية الإعمار، فلا توجد معلومات حول عدد المدنيين الذين غادروا الرمادي في الوقت الذي دخلت فيه القوات العراقية المدينة، ولا توجد معلومات حول الحياة في ظل تنظيم الدولة، ولكن الصور ولقطات الفيديو، التي نشرت الأسبوع الماضي، تظهر أن أحياء بأكملها تحولت إلى أنقاض، بعد أشهر القصف والجسور المدمرة.
ويجد التقرير أنه "بناء عليه، فإن التحدي اللوجيستي والمالي سيكون عظيما. وبعد توقف عمليات الحرب في الرمادي والمناطق الأخرى، فإنه يجب على الحكومة التي يقودها الشيعة تعزيز سلطتها، ومساعدة المدن المدمرة التي يعيش فيها سنة لا يثقون بها وخائفون من الجيش الذي يسيطر عليه الشيعة والمليشيات الشيعية، رغم تعهد المسؤولين الحكوميين بتسليم المهام الأمنية للمسلحين السنة في الأسابيع المقبلة".
ويفيد الكاتب بأن مدربين أمريكيين وإيطاليين قاموا بتدريب 100 ضابط سني للعمل في الرمادي، والعمل مع عدة آلاف من المسلحين السنة. مستدركا بأن انتصار الرمادي يجب أن يعزز من الثقة بالجيش العراقي، الذي يعاني من مشكلات معنوية.
وتختم "فورين بوليسي" تقريرها بالقول: "من هنا فإن الزحف في مناطق الأنبار سيكون امتحانا للطريقة التي ستقوم فيها حكومة بغداد بالسيطرة على المليشيات الشيعية المدعومة من إيران، التي تقوم بالتحضير لعملية عسكرية في الفلوجة، وهي امتحان لقدرة الحكومة على الحفاظ على وحدة البلاد".