نشرت صحيفة "فايننشال تايمز" تقريرا لماغي فيك من القاهرة، حول الأوضاع الاقتصادية من وجهة نظر الناس البسطاء هناك، تقول فيه إن الثورة
المصرية عنت أمورا مختلفة لمختلف الناس، ولكن بالنسبة للكثير منهم، فقد كانت سببا للتفاؤل، فبعد أن أدت الثورة الشعبية إلى استقالة ديكتاتوري حكم البلاد لفترة طويلة، بدأ الناس يحلمون بأن تحقيق حياة أفضل أمر ممكن تحقيقه خلال فترة حياتهم.
وتقول فيك: "فبالنسبة لرجل عرفته خلال إقامتي في القاهرة قبل عامين، فإن الثورة أدت إلى آمال تمسك بها لفترة، حتى أصبح سواد الحياة في مصر الرئيس عبد الفتاح
السيسي واضحا".
وتضيف الكاتبة أن الرجل قال لها: "ليس هناك أمل بعد، والمستقبل أسود". قال لها الرجل ذلك، بينما كانا يجلسان على الأرض في شقة فارغة في بناية كانت تسكن فيها، حيث يعمل الرجل بوابا، وطلب منها عدم ذكر اسمه؛ لأنه يعرف تبعات انتقاد الحكومة بشكل علني.
ويذكر التقرير أن وجود البواب أمر ضروري في بنايات القاهرة، فهو حارس البناية، حيث يعيش هو أيضا فيها، إما على السطوح، أو في غرفة تحت المصعد، فهو يغسل الدرج، ويوصل الصحف إلى الشقق، ويرصد الحياة الشخصية للسكان، فهو يراهم عند مغادرتهم وعند قدومهم، ويسمع شجاراتهم، ويقرأ تعابير وجوههم كل يوم.
وتشير الصحيفة إلى أن "هذا أيضا يجعل البوابين مناسبين للعمل مخبرين للحكومة، وكلهم بشكل عام ينصبون أنفسهم شرطة أخلاق بدعم حكومي غامض. ولكن ليس هذا الرجل واحدا منهم، فإنه يبغض المؤسسات الأمنية، ومنزعج جدا من عودة الحكومة البوليسية التي كانت في عهد الرئيس السابق حسني
مبارك، الذي حكم لمدة ثلاثين عاما".
وتقول فيك: "عندما توقفت لأسلم عليه قبل أيام، بينما كان يقوم بتنظيف الدرج، وسألته عن حاله، لم يرد التحدث إلي في الردهة ولكن في محل خاص". وتضيف أنه حدثها عن أنه كان يأمل بعد الثورة بأن يتحسن الاقتصاد في المنطقة الريفية التي جاء منها في جنوب مصر، حيث سيهسل عليه هذا أن يجد عملا هناك، بدلا من أن يضطر للعمل في العاصمة ليكسب بالكاد قوته وقوت زوجته وأولاده الذين يعيشون في الريف بعيدا عنه، فعنده ثلاثة أطفال، كلهم أعمارهم أقل من عشرة أعوام. ويقول: "خلال هذه السنوات من الضروري أن يكون الأب والأم موجودين".
ويستدرك التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، بأنه مع ذلك فإنه وبعد خمس سنوات من الثورة، لا يزال العمل غير متوفر في قريته، ولذلك بقيت زوجته تربي أطفالها وحدها. وقد رآها آخر مرة قبل ستة أشهر، ولا يتوقع أن يزورهم قبل الصيف، عندما تكون لديه عطلة مدتها أسبوعان خلال شهر رمضان.
وتنقل الصحيفة عن البواب قوله إن الحياة اليوم "أسوأ بكثير مما كانت عليه" قبل ثورة 2011، معربا بذلك عن مشاعر يخشى معظم المصريين البوح بها علنا في الشوارع أو المقاهي أو الحوانيت أو المدارس أو أماكن العمل، فهم يخطون خطاهم بحذر مثله.
ويقول البواب: "السجون مليئة والناس خائفون، أنا لست ناشطا، بل أنا بواب"، ثم يقول إنه لو كان طريق السيسي هو الطريق الصحيح "لكان هناك تطور، ولتحرك الاقتصاد، ولكان هناك استقرار".
وتلفت الكاتبة إلى أن السيسي، وهو رئيس الأركان السابق، الذي انقلب على الرئيس المنتخب محمد
مرسي والمنتمي للإخوان، نصب نفسه في بلاده وفي الخارج وصيا وحيدا على الاستقرار، بعد فترات 2011 المضطربة، وقام بسجن عشرات الآلاف من المواطنين الذين عارضوا انقلابه عام 2013.
وتعلق فيك على سجن عشرات الآلاف من المعارضين، قائلة إن هذه المقاربة ليس فيها إبداع، حيث قام مبارك قبله بسجن الإسلاميين بالجملة في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، ولم تثبت نجاحها في كبح التطرف. مشيرة إلى أنه كما فصل لورنس رايت في كتابه "ذي لومنغ تاور"، الذي هو عبارة عن دراسة في الأدلة لصعود تنظيم القاعدة، فإن زعيمها الحالي أيمن الظواهري توجه إلى المزيد من التطرف أثناء وجوده في سجن مصري، حيث تعرض للتعذيب.
ويقول البواب: "أنا حزين لحال هذه البلاد، فمن المعروف أن الشعب المصري يضحك ويبتسم، ولكننا لم نعد كذلك".
وتقول الكاتبة: "بينما كنت أتجهز للمغادرة، سألني عن زميلتي التي كانت تسكن معي في الشقة سابقا، فاقترحت بأن نتصور (سلفي) معا، ونرسل الصورة لها، ولكن بينما أخرجت الـ(آيفون)، خطر لنا الخاطر ذاته وأعدته إلى حقيبتي. وقال إن مواقع التواصل الاجتماعي مراقبة، وقلت له صحيح، فليس أخذ صورة معا فكرة ذكية. وخرجت دون صور تذكرني بهذا اللقاء القصير والمحزن إلى حد بعيد".
وتخلص فيك إلى القول إن "الحياة في القاهرة هذه الأيام لا تبدو أقل بعثا على الأمل فقط، ولكنها أيضا أقل متعة".