نكتب على وقع الشروع في اغتيال الرئيس
التونسي السابق
المنصف المرزوقي التي أعلن عنها رسميا يوم 23 تشرين الثاني/ نوفمبر 2015، وعلى هامش جنازة 12 ضابطا من فرقة الحرس الرئاسي بعملية تفجير إرهابي ونرى الخوف يزداد في العيون وفي القلوب وفي القرارات الارتجالية.
ونرى الكثير من النخبة تنكمش على أنفسها مع هجوم الشتاء. كان الأشد هشاشة وجامعو الفيء من معارك الآخرين قد انسحبوا من الساحة منذ غدروا في انتخابات 2014 ورأوا الموتى يعودون للتصويت، وقال قائلهم البلد تودع منه.
لقد عاد النظام وعادوا هم بهذا التبرير العاجز إلى سيرتهم الأولى بمراقبة الأحداث من وراء بلور نوافذهم، منتظرين فوز طرف للانحياز إليه، دون أن يتوقعوا أن الفوضى قد تنفجر في وجوه الجميع ولا يعرفون طرفا ينتصر. بل قد ينهزم الجميع.
الفوضى احتمال حقيقي وارد في تونس
بات جليا أن الرباعي الحاكم في تونس لا يتقدم ولا يجد حلولا للمعضلات الاقتصادية والاجتماعية المتفاقمة. ويعلن عن نسبة نمو سلبي للعام 2015 وحتى وهو يقدم الميزانية الأربعاء أمام البرلمان فإنه يعلن توقف التشغيل في القطاع العام.
كما أن الحزب المتصدر طبقا لنتائج الانتخابات يعجز عن إعادة لحم صفوفه المتناحرة بما يقلص قدراته على الخروج من أزمته الذاتية ليتفرغ لانجاز مؤتمره الأول والتفرغ لمعالجة ما انتخب من أجله، والتحليلات المتهافتة تقول بأن البلد يعود إلى النهضة لتحكمه بالنظر إلى أنها الحزب المتماسك والمالك لكفاءات حكم تدربت رغم فشل تجربها أيام حكم الترويكا.
لكن يغيب عن هذه التحليلات أن قيادة البلد الآن تقتضي وضع خطة إنقاذ لا يملك أحد شروطها الفعلية، وشروطها موافقة دولية للحصول على تمويلات جبارة، وهي التمويلات التي لا يمكن توفيرها من الداخل إلا بسياسة تقشف قاسية جدا، والتقشف معناه تجميد الأجور وإيقاف المشاريع الكبرى التي وضعها الجميع على الورق وخزنوها في أرشيفاتهم ولم يجرؤوا على إخراجها إلى الضوء.
البلد الآن ككرة اللهب التي يرميها الجميع عنه لكي لا تحرق يديه، وهو الأمر الذي يجعل حالة السلم الاجتماعية الهشة خديعة حقيقية لأنها في الأصل حالة انفجار مؤجلة لا أحد قادر على ميقاتها.
إن الحديث عن سلم أهلية في تونس ونجاح سياسي في التوافق هو دفن الرأس في الرمل المتحرك وتوهم النجاة.
هناك حالة من عدم الثقة المطلقة بين الجمهور الواسع وبين الطبقة السياسية بكل مكوناتها، إذ يرى الجمهور حالات من التبذير في مجالات صرف قابلة للتأجيل في ظرف حرج، لكن النخبة تواصل التصرف كما لو أنها ليست على أبواب أزمة مالية واقتصادية حقيقية، وقد توقفت التسريبات عن المدخر من العملة الصعبة وعن قدرة البنوك العامة والخاصة عن الأداء الفعال رغم إعادة الرسلمة.
أشكال الفوضى المحتملة
الجمهور الواسع رغم ملله المعلن ونفوره من الخوض في ما يجر إليه من ترهات الإعلام النخبوي يتربص بألم كبير ويضع يده على زناد الشارع لكن بدون قيادة ظاهرة، وقد تكفي حادثة واحدة في المناطق المهمشة لينفجر بلا خطة ثورية.
وإذا كانت النقابة قد أطرت بهياكلها الوسطى انتفاضة 2010-2011 فإن النقابة بكل إطاراتها قد استعيدت الآن إلى صف النظام من جديد، ولم يعد لديها مصداقية قيادة الشارع.
لقد استهلكتها قيادتها اليسارية في مهمة تخريب حكم الترويكا، وقد يحتفظ بعض النقابيين بمصداقية في مناطقهم ولكنهم صاروا القلة الناجية من ماكينة إفساد ذات أجندة سياسية أعادت باقتدار النظام القديم إلى سدة الحكم.
الانفجار إذن وارد والجميع يضع يده خوفا من شهر حزيران/ يونيو التونسي الأحمر، وسيكون الاجتماعي سببا كافيا للانفجار، وهو الأمر الذي حرك الجمهور الواسع دوما.
لكن، من سيقود الشارع؟ هذا السؤال المفضي إلى توقع الفوضى، فالشارع الآن بلا زعامة ولا برنامج وقد يكون التخريب أجندته الوحيدة.
في هذه الفوضى يتربص الإرهاب بالجميع
الخلايا الإرهابية تفكك في كل المناطق لكن بعضها يفلح في إصابة أهدافه والجميع يتحسس وجوده ويتوقع استفادته من الفوضى، والبعض يرى أن الذين يمسكون خيوطه يمكنهم التحكم فيه ولكن التجربة أثبتت أنه عنصر منفلت وله أجندته الخاصة، وقد يرهن فعله لمن يموله ولكن حتى حين، وهو يضع الجميع في زاوية الصمت وتفضيل الحد الأدنى من التوافق حتى لا تنفجر فوضى يتسرب منها إلى مفاصل المجتمع ويخلق التوحش الأقصى الذي يريد.
محاولات كثيرة لخلق الفوضى فشلت، ولكن الوصول إلى حد تهديد الرئيس السابق ثم ضرب فرقة الأمن الرئاسي الأقوى والأفضل تدريبا هو مؤشر دال على عدم تراجع أجندة الإرهابيين ومن يحركهم في الداخل والخارج، هو في عرف الحروب منتصر بعد، لأنه يضع الدولة ومؤسساتها ونخبها في موضع الدفاع فضلا على رغبة البعض في التقاط مكاسب فئوية من ورائه بما يقويه ويمكن له.
لقد اخترق البعض بحكم سعيهم إلى المكاسب القطاعية والحزبية. وشل آلية التوحد ضده رغم الخطاب العالي من الجميع في مقاومته لفظيا.
في نهاية سنة اقتصادية صعبة وفي ظل حكومة مشلولة بحكم التنازع الحزبي تقوى شوكة الإرهاب وتخيم أشباح الموت والإفلاس على المشهد العام وتقطع ترهات الإعلام الفاسد أمل الناس في الرجوع إلى مناقشة قضاياهم الحيوية والإسهام في حلها دون التدرج إلى الفوضى المؤذنة بخراب الدول.
هذه اللوحة السوداء ليست شهوة الكاتب ولكن ما يتكشف من واقع مترد يهرب الجميع من علاجه بشجاعة ورجولة.
كيفية التصدّي والخروج إلى الاستقرار؟
هل يكفي مثلا أن تعقد الدولة مؤتمرا لمقاومة الإرهاب يشارك فيه تونسيون يرون بعض التونسيين صالحين فقط للمسالخ والمحارق، وآخرون لا يرون الآخرين إلا كفرة فجرة؟
يوجد في الطبقة السياسية إقصاء وتكفير متبادلان لن يسمح بتوافق حول القضايا الأساسية التي تعالج أزمات البلد، وإكبار التوافق القائم الآن بين الحزبين الكبيرين خاصة ليس هو التوافق المطلوب لأنه في مضمونه يشبه حالة الاشتباك في الجودو حين يسقط كل غريم غريمه ويكبله في وضع لا تسجل فيه النقاط. والحكم هنا (الشعب) يحسب وقت المباراة الذي لا ينتهي إلا إلى الضجر واليأس.
لقد كان منذ بدايته توافقا لإلغاء قوة الخصم على الأذى وليس لوضع قوتين في سياق إنتاج حلول، لذلك وصل بسرعة إلى الفشل وفشله هو هذه الأزمة الاقتصادية التي ستمحق الجميع، ونسمع الآن خطاب إلقاء الأعباء على ظهور الشركاء وهي الخطوة الأولى في تفكك التوافق القائم، ولا يمكن للتوافقات السياسية أن تكون بدون برامج قابلة للتنفيذ الفعلي بقوة سياسية تسند حكومة مطمئنة إلى سندها السياسي. التعيينات الإدارية كشفت سوء النية بين الشركاء، وفضحت خلفية التوافق القائم والحكومة تعرف وتعجز أمام دلال الشركاء؟
إذن ما العمل؟ سأخيب ظن قارئ المقال بعد أن أرهق في تتبعه. سيصل البلد إلى الفوضى وسيتحرك تحت الرعب من الانفلات وقد يحاصر رعبه بمزيد من الخوف والترهيب. لكن في غياب طاولة حوار وطني غير مغشوش وغير إقصائي ولا تكفيري ولا يرهن نفسه لأجندات أجنبية يصارح الشعب الكريم بحقيقة الوضع الاقتصادي ومقدرات البلد. لن يكون هناك حل إلا العيش على حافة الهاوية الاقتصادية واحتمال الآلام الاجتماعية المبرحة.