كتب أحمد عياش: مرحلة بالغة الخطورة دخلتها المنطقة مع المواجهة المستمرة بين أنقرة وموسكو في سوريا وهي مواجهة همّشت طهران إلى حد كبير وهي اللاعب الأكبر في سوريا منذ أعوام. وفي مقاربة لهذا التطور، يستعيد الخبراء في الشؤون الإيرانية المرحلة التي أنهت الحرب الإيرانية - العراقية في ثمانينيات القرن الماضي وخصوصا العبارة الشهيرة التي نطق بها مؤسس الجمهورية الإسلامية الإمام الخميني عندما قال عن موافقته على الاتفاق الذي أنهى تلك الحرب أنه كمن "يتجرّع السم...".
وفي هذه الاستعادة يرون ظروفا مشابهة يعيشها الآن المرشد الإمام علي
خامنئي الذي يواجه انهيارا لمشروعه الامبراطوري الذي أنفق في سبيله طاقات إيران المادية والبشرية على مدى أكثر من ربع قرن ووضعها على شفير الإفلاس. حتى الآن يبدو أن خامنئي يعيش حالة إنكار دفعته إلى تجاهل المواجهة الخطيرة التي نشبت بين
تركيا وروسيا التي هزت ولا تزال المنطقة والعالم. وكان يجدر بالإمام خامنئي أن يقول كلمة دفاعا عن الرئيس الروسي فلاديمير
بوتين الذي زاره في طهران قبل أيام ووصفه خامنئي بأنه "شخصية بارزة في عالمنا المعاصر" إلا أن المرشد لاذ بالصمت. لكن هذا الصمت لم يصل إلى مجلس الشورى الإيراني. ووفقا لما أوردته صحيفة "الشرق الأوسط" فإن أحد أعضاء لجنة السياسة الخارجية والأمن في المجلس انتقد عدم ثقة بوتين في إيران من خلال اصطحابه سيارته الخاصة إلى طهران. أما الرئيس الإيراني حسن روحاني فتولى صياغة موقف بلاده من المواجهة بين موسكو وأنقرة فوصف كلا من
روسيا وتركيا بأنهما "جارتان وصديقتان ومهمتان جدا لإيران".
الرمز المهم لمشروع خامنئي الامبراطوري في سوريا هو قائد "فيلق القدس" التابع لـ"الحرس الثوري الإيراني" الجنرال قاسم سليماني. وفيما قال مصدر أمني ميداني لوكالة الصحافة الفرنسية أن سليماني "أصيب بجروح... في جنوب غرب حلب" كان أبرز مستشاري الأخير الجنرال حسن كريم بور يعلن أن 188 إيرانيا قتلوا في الحرب السورية. هذه الخسائر الإيرانية التي توجتها إصابة سليماني ليست فألا حسنا لمحافظي إيران الذين يقفون اليوم مربكين أمام تطور الصراع في سوريا التي تتجه إلى خريطة جديدة تقوم على "سوريا المفيدة" بقيادة بوتين و"المنطقة الآمنة" بقيادة
أردوغان ومساحة معقّدة ممتدة بين دمشق والجنوب السوري تتنوع فيها الجهات فيما تقبع إسرائيل في الجولان السوري المحتل "مطمئنة" إلى وعد من بوتين وتعهد ضمني من طهران بأن لا تخرق الأخيرة ستاتيكو عام 1973.
في ظل هذه الخريطة السورية الجاري تظهيرها حاليا لا يبدو أن لفيلق خامنئي، ومن ضمنه "حزب الله" سوى دور الكومبارس. وهناك على رقعة الشطرنج هذه معطيات تفيد أن اللاعبين التركي والروسي قد يضطران للقول للمرشد الإيراني "كش ملك". فالصفقة إذا خرجت من غبار هذه الحرب لن تتسع لرئيس النظام السوري وصاحبه خامنئي.
(عن صحيفة النهار اللبنانية ـ 28 تشرين الثاني/ نوفمبر 2015)