حذر المحلل العسكري الإسرائيلي تسفي برئيل من أن المنطقة الكردية التي كانت مثالا يحتذى للنجاح الاقتصادي والسياسي تعيش الآن أزمة عميقة تهدد صمودها في مواجهة داعش.
وقال برئيل في مقالة له بصحيفة "هآرتس" الثلاثاء، إن "المنطقة التي اعتبرت الأكثر أمانا في
العراق – المنطقة الكردية التي تتصرف باستقلال وهي منفصلة عن العراق – بدأت في الاشتعال في الشهر الماضي.. مظاهرات عنيفة قتل فيها خمسة مواطنين وأصيب أكثر من 200، تمت إقالة وزراء، صراع على الرئاسة وأزمة اقتصادية تهدد سلامتها وقدرتها على العمل في مواجهة داعش".
وأكد أن "الشرخ الأول حدث في 20 تموز الماضي، وهو الموعد الذي تنتهي فيه ولاية الرئيس حسب القانون، مسعود البرزاني. يصعب على البرزاني وحزبه تصور
كردستان بدون الزعيم الكاريزماتي الذي تحول إلى أسطورة. بعد ذلك بوقت قصير قررت وزارة العدل تمديد ولايته حتى 2017 رغم المعارضين في البرلمان والحكومة.. الحكومة الحالية التي تشكلت في أعقاب الانتخابات في حزيران 2014 زرعت الأمل بالديمقراطية في كردستان التي سيطرت عليها حتى ذلك الحين حكومات تمت تشكيلها من ممثلي الحزبين الكبيرين، الحزب الديمقراطي الكردي برئاسة البرزاني وحزب الاتحاد الوطني برئاسة جلال طالباني الذي لا يعمل بسبب مرضه".
واستدرك برئيل بالقول، إنه "انضم إلى الحكومة الجديدة ممثلو حزب التغيير الذي كان ناشطا في المعارضة، وممثلو أحزاب أصغر بعضها أحزاب دينية. وقد كان الهدف تشكيل حكومة من الجميع، لكن منذ اللحظة الأولى ظهرت الخلافات ولا سيما على خلفية مطالب أعضاء حزب التغيير لإجراء إصلاحات سياسية ومكافحة الفساد الذي حظي بفضله المقربون من الأحزاب الكبيرة بالوظائف والامتيازات في الميزانيات. وحسب أقوال أعضاء حزب التغيير فإن رجال أعمال ومقربين يحصلون على مئات ملايين الدولارات من جباية الضرائب على الحدود مع تركيا وإيران ولا يقومون بالإبلاغ عنها".
وأوضح أنه "في الوقت الذي تتمتع فيه النخبة السياسية القديمة بالمبالغ الطائلة، فإن الموظفين في الدولة لم يحصلوا على رواتبهم منذ ثلاثة أشهر. فلم يبق مال في الصندوق العام. صحيح أن النفط الكردي ما زال يُباع عن طريق تركيا، لكن أرباحه لم تعد تكفي لتغطية النفقات. إن تراجع أسعار النفط في السوق العالمية هو أحد أسباب الأزمة. بعد مخاض صعب تم التوقيع في شهر شباط 2014 على اتفاق لتوزيع مدخولات النفط. وقد كان هذا الاتفاق ضعيفا لأن كل طرف اتهم الطرف الآخر بالإخلال به، وفي نهاية المطاف، في شباط 2015، فشل الاتفاق حيث قررت الحكومة العراقية وقف الدفعات التي التزمت بها للأكراد. والحديث يدور هنا عن 1.1 مليار دولار شهريا".
ونوه برئيل إلى أنه "يضاف إلى ذلك وجود أكثر من مليوني لاجئ، والنفقات التي تحتاجها الحرب ضد داعش. صحيح أن القيادة الكردية تحصل على دعم من الولايات المتحدة لعلاج موضوع اللاجئين، وقد حصلت على قروض دولية، إلا أن هذا الدعم آخذ في الجفاف بسبب التأخير في تسديد القروض".
وأكد أن "المنطقة الكردية التي كانت منذ سقوط صدام حسين نموذجا للنجاح الاقتصادي ومكانا هادئا في محيط هائج، دخلت الآن في أزمة سياسية واقتصادية مقلقة للغرب أيضا.. مندوبون من الولايات المتحدة وبريطانيا سافروا بسرعة إلى أربيل العاصمة من اجل المحاولة لحل الأزمة، ورئيس البرلمان العراقي أيضا تحدث مع رئيس حكومة كردستان على أمل أحياء الاتفاق الذي تم تجميده، لكن الحل لا يبدو في الأفق. فقد أعلن البرزاني أن كردستان لن تسمح للعراق بأن يستمر في السيطرة على نفطها، والعراق لا ينوي التنازل عن النفط الكردي".
وتابع برئيل بالقول: "في الوقت نفسه لا يبدو أن مسعود البرزاني ينوي التنازل عن الرئاسة، لكن ليس لديه أموال كي يدفعها لموظفي الدولة من اجل تهدئة الاحتجاج. ولسخرية القدر فإن من يسيطر على الأسواق هم مئات من المواطنين العراقيين الذين هاجروا إلى كردستان. هؤلاء المواطنين جلبوا معهم المال وقاموا ببناء المنازل وتحولوا إلى مقاولين للبناء. وفي الآونة الأخيرة فإن العراقيين هم فقط الذين يشترون الشقق ومن ضمنهم موظفي الدولة، وهم الوحيدون الذين يحصلون على الرواتب بشكل دائم من الحكومة العراقية".
وشدد على أن "هذه الحقيقة تزيد من الغضب نحوهم والمخاوف من التغيير الديمغرافي الحاصل في المنطقة، حيث قرر مجلس مقاطعة السليمانية التي يسكن فيها 400 ألف عراقي منع المواطنين الأجانب من شراء العقارات في المقاطعة. صحيح أن القانون عام إلا أنه يهدف إلى تقييد العراقيين فقط".
وختم برئيل مقالته بالقول: "يبدو أن مقاطعات أخرى ستنضم إلى السليمانية، الأمر الذي يستجيب للمشاعر الكردية لكنه يكبح التطور الاقتصادي المطلوب، وقد بقي أن تتدخل الدول الغربية التي تخشى من تراجع قوة الأكراد في مواجهة داعش، من أجل إنقاد الموقف".