علق محرر الشؤون الدولية في صحيفة "الغارديان" البريطانية إيان بلاك، على إلغاء الحكومة البريطانية صفقة مع
السعودية لتدريب مسؤولي نظام
السجون في المملكة، بعد تقارير قالت إن مواطنا
بريطانيا سجن فيها؛ لاتهامه بحيازة الكحول الممنوع تناوله هناك.
ويشير التقرير إلى أن رئيس الوزراء ديفيد
كاميرون تدخل، وطالب الحكومة السعودية بإعادة النظر في أمر المسن كارل أندريه (74 عاما)، الذي قالت عائلته إنه قد يواجه حكما بالجلد في ساحة عامة، رغم استبعاد المسؤولين هذا الأمر.
وتبين الصحيفة أن قرار كاميرون أدى إلى انقسام داخل وزارته، حيث أنه وقف مع وزير العدل مايكل غوف ضد وزيري الداخلية تريزا مي والخارجية فيليب هاموند، اللذين شجعا على الصفقة، واعتقدا أنها قد تقود إلى إصلاح أوضاع وطريقة إدارة السجون ومعاملة السجناء في السعودية.
ويقول بلاك إن العلاقات البريطانية السعودية تقوم على
الصفقات التجارية وعلاقات الاستثمار، بما فيها صفقات بيع الأسلحة والصلات الأمنية السرية، التي تقول بريطانيا دائما إنها حيوية لأمن بريطانيا، خاصة عندما يتراجع الدعم الشعبي للدولة الخليجية التي تطبق نظاما قضائيا يراه البريطانيون قاسيا.
ويضيف الكاتب أن قضية أندريه، الذي قد يواجه حكما بالجلد؛ بسبب تصنيعه الخمر في البيت، هي من القضايا التي تثير مخاوف الخارجية البريطانية. مشيرا إلى أنها جاءت متزامنة مع الأخبار التي تحدثت عن خلافات داخل الحكومة حول الصفقة مع السعودية لتقديم النصح لها في كيفية إدارة نظام السجون، وهو ما يسلط الضوء على العلاقات المضطربة نوعا ما بين لندن والرياض.
ويذكر التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، أنه من ناحية العلاقات الثنائية التي يثمِّنها كل طرف، فإن السعودية وبريطانيا شريكان تجاريان بالدرجة الأولى. فبين البلدين 200 صفقة تجارية، قيمتها 17.2 مليار جنيه إسترليني (حوالي 27 مليار دولار). وهناك ما يقدر عدده بـ30 ألف مواطن بريطاني يعيشون ويعملون في السعودية. وتعد المملكة أكبر سوق للسلاح البريطاني، حيث بلغت مبيعاتها أربعة مليارات جنيه إسترليني في الفترة ما بين أيار/ مايو 2010 وآذار/ مارس 2015.
وتلفت الصحيفة إلى أنه من الناحية الدولية فإن السعودية تعد الدولة الأولى في العالم ذات الاحتياطي النفطي. وتقع في منطقة حيوية، ما جعلها حليفا استراتيجيا للولايات المتحدة والدول الغربية.
ويشير بلاك إلى السياسة الحازمة التي تتبناها السعودية في الوقت الحالي ضد منافستها الإقليمية إيران، والحملة التي تقودها ضد المتمردين الحوثيين في اليمن، ودعم المعارضة السورية ضد نظام بشار الأسد في دمشق.
ويستدرك الكاتب بأن السعودية تظل رغم ما جرى من تغييرات على هرم السلطة ملكية مطلقة، وتظل فيها مشاركة المرأة في الانتخابات أمرا غير معتاد، ولا تزال ممنوعة من قيادة السيارات. وتطبق الشريعة في قضايا الجرائم. مشيرا إلى قضية المدون السعودي رائف بدوي، الذي حصل على دعم دولي. ولذلك يرى أن المشاعر ستكون متوترة عندما يتعرض شخص غير سعودي وغير مسلم للمشكلة.
وينوه التقرير إلى أن مسار العلاقات بين البلدين، ظل يصعد ويهبط.
وتفيد الصحيفة بأن قرار كاميرون جاء رغم أنه دافع في لقاء مع القناة الرابعة، وقبل خطابه أمام المؤتمر السنوي لحزب المحافظين في مانشستر الأسبوع الماضي، عندما ألمح إلى أهمية التعاون العسكري والأمني بين البلدين. وكانت القناة قد سألته عن موقفه من السعودي علي محمد باقر النمر، الذي حكم عليه بالإعدام بسبب مشاركته في تظاهرات. وقال كاميرون: "نتلقى منهم معلومات أمنية مهمة تجعلنا آمنين".
ويذكر بلاك أن السعودية ترفض أي تدخل في شؤونها الداخلية، بحسب ما ما قالته السفارة السعودية في لندن. والأمر ذاته ينسحب على قضية أندريه، التي تم التعامل معها بسرية قبل أن تقرر عائلته الخروج والحديث عنها علنا. لافتا إلى أن المسؤولين البريطانيين بدأوا يفهمون أن الرأي العام ليس براغماتيا، أو لا مباليا، كما هو حال الحكومة أو الإعلام.
ويكشف التقرير عن أن لجنة الشؤون الخارجية للأحزاب كلها في البرلمان البريطاني قد نشرت العام الماضي تقريرا ناقدا للحكومة السعودية، رغم تحذيرات السفارة في الرياض من "التداعيات السلبية" على العلاقات الثنائية. وفي كانون الثاني/ يناير سافر الأمير تشارلز إلى الرياض، وفعل الأمر ذاته كاميرون، من أجل تقديم العزاء بوفاة الملك عبدالله. وتعرض كاميرون للانتقاد عندما قرر تخفيض العلم البريطاني للنصف على دوائر الحكومة.
وتقول الصحيفة إن لجنة الشؤون الخارجية فهمت جوهر المشكلة. ولاحظت أن هناك فرصا عظيمة لعقد صفقات، ولكنها أشارت إلى سجل حقوق الإنسان "الفقير جدا". وجاء في تقريرها أن "غياب الحقوق السياسية، واستخدام العقوبات الشديدة في غياب الإجراءات القانونية يثير القلق، وكذلك حقوق المرأة والأقليات". وأضاف: "الحكومات الديمقراطية مثل بريطانيا، تواجه تحديات تتعلق بالاستجابة لمطالب مواطنيها الليبراليين وحاجتها للإبقاء على علاقتها مع دولة غير ديمقراطية ومحافظة، تعد مهمة لمصالحنا على المستويين الإقليمي والدولي".
ويورد الكاتب أن التقرير جاء فيه أن السعودية تعد حليفا "حيويا ولكنه معقد" في مجال مكافحة الإرهاب، وأنها "جزء من المشكلة"، وعليه يجب التأكد من عدم تمويل منظمات تحمل رسالة متطرفة. مبينا أن هناك دلالات تشير إلى تحسن الوضع في السعودية؛ بسبب المخاطر التي بات يمثلها تنظيم الدولة على المملكة.
ويلفت التقرير إلى أن زعيم حزب العمال جيرمي كوربين قد تحدث في خطابه السنوي أمام مؤتمر حزبه في برايتون الشهر الماضي عن قضية النمر. ولكن هناك أصواتا منتقدة من داخل وخارج البرلمان، ومنهم النائب المحافظ أندرو ميتشل، ووزير التنمية الدولية السابق، الذي انتقد بشدة الدورالسعودي في اليمن.
ويخلص بلاك إلى أن الخلافات بين هاموند وغوف تمثل مواجهة أخرى بين الواقعية والمبادئ في علاقة بات من الصعب فيها مواصلة عقد صفقات تجارية.