جيل جديد من المقاومين
الفلسطينيين برز في الهبّة الشعبية التي تشهدها مدن الضفة الغربية والقدس الشرقية والتي امتدت خلال الأيام الأخيرة لتصل إلى المدن العربية داخل الخط الأخضر مثل مدينة حيفا.
الفدائي الفلسطيني الجديد هو شاب فلسطيني لا ينتمي إلى حركة سياسية محددة أو تنظيم عسكري معين، ولا يتبع أوامر أو تعليمات جهة سياسية، بل يصغي فقط إلى صوت في داخله يحثه على الانتفاض على القهر. انه فدائي لم يسبق له أن تدرب على حمل السلاح ولا أجرى دورات عسكرية، وهو ببساطة لا يملك سلاحا، أدوات نضاله سكين أو حجارة أو زجاجة حارقة أو سيارة للدهس.
الفدائي الفلسطيني الجديد هو الذي يخرج في الصباح من منزله وهو مصمم على المضي إلى النهاية حتى الشهادة، فليس لديه الكثير ليخسره. قد يكون طالبا يعرف سلفا أن لا مستقبل له تحت الاحتلال، أو عاطلا عن العمل يئس من الانتظار، أو من أبناء المخيمات في الضفة أو من القرى الفلسطينية أبناء الطبقة التي ترزح تحت وطأة الفقر وتعاني الحرمان والتهميش. وعلى رغم كونه يختار هدفه عشوائيا فانه يختلف جذريا عن الفدائي الانتحاري الذي مر بمرحلة غسل دماغ وتحضير أيديولوجي جعلته سلاحا للقتل الجماعي.
الفدائي الجديد لم يكن بطلا ولن يتحول إلى بطل، وهو لم يسبق له أن سجل شريطا يشرح فيه أهدافه قبل هجومه، انه شاب فلسطيني عادي قرر أن ينتفض ويتحدى ويقول "كفى" للاحتلال وأن يدفع حياته ثمنا. وهو لم يخطط لإشعال هبّة شعبية لكن هذا ما حصل.
وفقا للتعريفات الإسرائيلية هو من نوع "الذئاب الوحيدة" التي يحركها غضب فردي ورغبة في الثأر، وهو في رأي الإسرائيليين ضحية البروباغندا الجهادية المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي. وهذا النوع الجديد من الخطر لا يمكن الاستخبارات الإسرائيلية أن تتوقعه سلفا وأن تحبطه، فمن أين لها أن تدخل عقول الفلسطينيين وأن تشعر بما في نفوسهم، من هنا التحدي الذي تمثله هذه الظاهرة.
إن الهجمات الفلسطينية الفردية هي النمط الجديد للمقاومة الذي شهد في الفترة الأخيرة ارتفاعا ملحوظا. ووفقا لإحصاءات إسرائيلية، فقد زاد عدد الهجمات من 683 هجوما عام 2012 إلى 1271 عام 2013، وإلى 1834 عام 2014، وخلال شهر آب الأخير وحده سُجل 168 هجوما. والمدهش أنه على رغم النهاية المأسوية لمنفذي الهجمات الذين هناك أوامر بقتلهم حتى لو فشل الهجوم، فقد تحولوا إلى ظاهرة حقيقية مقلقة بالنسبة إلى الإسرائيليين، وإلى صرخة مدوية يحاول الفلسطينيون من خلالها التعبير عن وجعهم وإحباطهم وغضبهم.
(نقلا عن صحيفة النهار اللبنانية)