اهتمت الصحف العبرية الصادرة اليوم بإظهار الرئيس الروسي فلاديمير
بوتين كبطل عالمي بعد "الأداء الرائع" الذي قدمه في الأمم المتحدة، ليثبت للعالم أجمع أنه الرئيس الشجاع المستعد لملء أي فراغ يخشى الغرب وأمريكا ملأه في منطقة الشرق الأوسط، الأمر الذي جعل أمريكا متفاجئة في الأسابيع الأخيرة من السرعة والحزم لخطوات بوتين في المنطقة.
وشددت الصحف العبرية على أن بوتين أوضح لزعماء العالم بأن ثمة زعيم قوي آخر في المحيط، غير "
أوباما"، مؤكدة أن منصة الأمم المتحدة، أصبح من خلالها بوتين، مع دهاء بنيوي وإحساس رائع بالتوقيت، نجم الجمعية العمومية.
افتتاحية "يديعوت" أشادت بالرئيس بوتين، وقالت إنه يفهم ما لا يفهمه العالم الحر، وهو يعلم أن من لا يقاتل الجهاد من خارج بيته، سيضطر إلى أن يقاتله داخل البيت، ولذلك فإن بوتين لن ينتظرهم، بل يخرج إليهم.
وانتقدت "يديعوت" الرئيس الأمريكي باراك أوباما، متهمة إياه بأنه "قوي في الأقوال" وهو لا يملك سوى الخطابات المثيرة، وفي الوقت الذي يتحدث فيه أوباما فإن "بوتين يفعل".
"أزعر الحارة" يصنع محورا جديدا
وقالت "يديعوت" إن الرئيس الروسي يخلق محورا يضم إيران ونظام الأسد وحزب الله، بينما العالم الحر يقف جانبا. في واقع الأمر ثمة حتى مؤشرات تأييد لبوتين. فلعله ينجح في أن يفعل لتنظيم الدولة الإسلامية ما حتى لا يحلم العالم الحر بفعله.
وأضافت الصحيفة أن
روسيا لا شيء مقارنة بالولايات المتحدة. فالناتج القومي للقوة العظمى السابقة يبلغ 2.1 تريليون دولار، مقابل 2.6 في بريطانيا و 17.4 في الولايات المتحدة. غير أنه لا معنى للقوة عندما لا يكون أي اهتمام باستخدامها.
وبخلاف المواقف الأمريكية التي تخلت عن حلفائها وقت الربيع العربي، فقد أشارت الصحيفة إلى أن بوتين يقف في هذا المكان كي يؤشر إلى العالم الثالث برسالة معاكسة: أنا أدعم حلفائي، ولا يهم ما يفعلون. وتفاصيل الديمقراطية وحقوق الإنسان جديرة بالاتحاد الأوروبي والإدارة الأمريكية. عندي توجد مصالح.
وشددت "يديعوت" على أهمية الدور الروسي في المنطقة بالقول: "بتعابير أخرى، قليل من القوة التي تستخدم يساوي أكثر بكثير من قوة لا يعتزم أحد استخدامها"، متسائلة: "فماذا يساوي أزعر الحارة إذا كان تبنى دور كبير الحارة؟"
اعتبارات الولايات المتحدة مفهومة؛ فبعد التورط في العراق وفي أفغانستان، فإنه ليس لها أي مصلحة في الدخول إلى الوحل السوري. ويستغل بوتين الفراغ، ولديه تطلعات بعيدة المدى. الدعم لسوريا لا ينبع من محبة الأسد بل لأن قسما من الجمهوريات الروسية، بما فيها داغستان والشيشان، توفر المقاتلين لداعش. ويفهم بوتين ما لا يفهمه العالم الحر: من لا يقاتل الجهاد من خارج بيته،فإنه سيضطر إلى أن يقاتله داخل البيت. وهو لن ينتظرهم، بل يخرج إليهم.
هل ستنجح روسيا في المكان الذي فشلت فيه الولايات المتحدة؟ الأيام ستقول. بوتين يبعث بالإشارات إلى العالم. فالقصة في أوكرانيا لم تنتهِ بعد، ودول البلطيق لا تزال تعيش حالة عصف. وهي لا تريد أن تلتحق بأي شكل من الأشكال بالنفوذ الروسي، وفقا لـ"يديعوت".
كابتن بوتين
من جانبه أكد المحلل السياسي حيمي شليف، أن الرئيس بوتين ظهر في الأمم المتحدة كرجل، حتى لو كان الحديث يدور عن محاولته لصرف الانتباه عن إخفاقاته في روسيا، أو تورطه في المستنقع الإقليمي.
وأكد أنه في أعقاب الاتفاق وبرعاية روسيا، أصبحت إيران الآن محورا مركزيا في الصراع المتبلور ضد تنظيم الدولة، الذي احتل الحصرية كعدو الإنسانية. وقد أوضح الرئيس فلاديمير بوتين ذلك جيدا في خطابه أمام الأمم المتحدة، حين قضى بأن الإرهابيين، وليس الإيرانيين، هم النازيون أبناء زمننا.
وشدد شليف على أن الأمم المتحدة هي المنصة التي من خلالها أصبح بوتين، مع دهاء بنيوي وإحساس رائع بالتوقيت، نجم الجمعية العمومية. فقد شخص الخوف والرعب الذي سيطر على الغرب لمشهد اللاجئين الذين يدقون بوابات أوروبا، واستغل رفض الولايات المتحدة التورط من جديد في الشرق الأوسط وعين نفسه رئيس معسكر الأخيار في كفاحه ضد الأشرار.
ونوه إلى أن أوباما بالتأكيد فوجئ في الأسابيع الأخيرة بالسرعة والحزم لخطوات بوتين: تواجده العسكري المعزز في سوريا، والاتفاق الاستخباري الذي وقعه مع العراق، والمحادثات التي أجراها على ما يبدو خلف الكواليس مع إيران وربما أيضا المبادرة التي عرضها أمس لإقامة محفل مشابه لدول 5+1 ليدير من الآن فصاعدا الكفاح ضد تنظيم الدولة، مثلما أدار محادثات النووي مع إيران.
وقال شليف إن بوتين وضع حدا لانفصام الشخصية الذي ميز حتى الآن نهج الغرب ويمكن صياغته بعبارة أخرى بالصياغات التي وضعها بن غوريون ورابين: نقاتل ضد الدولة الإسلامية حتى لو كان الأمر يخدم مصالح الأسد ونقوض حكم الأسد حتى لو كان من شأن ذلك أن يؤدي إلى انتصار الدولة الإسلامية. من الآن فصاعدا، ستدار المعركة على الدور وليس بالتوازي: بداية الدولة الإسلامية وفقط بعد ذلك، إذا كان على الإطلاق، نظام الأسد.
صداقة روحاني وبوتين قوة المحور الجديد
أما في صحيفة "إسرائيل اليوم" فيرى المحلل السياسي بوعز بسموت، أن الرئيس باراك أوباما ووجود داعش صنعا من بوتين وروحاني منقذين في نظر العالم بعد أن كانا محاصرين بسبب ضم روسيا للقرم وبسبب الإرهاب الإيراني.
وقال بسموت إن الوضع المعقد في الشرق الأوسط عموما، وفي سوريا تحديدا، دفع رؤساء روسيا وإيران إلى طرح ادعاءات واقتراحات أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة، كان يمكن أن تكون مُسلية لو لم تكن المرحلة هي مرحلة داعش.. وبوتين وروحاني يحاولان الظهور بصورة الصدّيقين.
وأضاف أن بوتين مثلا يعتقد أنه ليس هناك مستقبل لسوريا من غير الأسد، (نعم، المسؤول عن موت 250 ألف إنسان من أبناء شعبه)؛ لأنه "الوحيد الذي يحارب داعش". أما روحاني الذي يمثل إيران الأخرى، فيعتقد أن أي دولة لا يجب عليها "استخدام الإرهاب للتدخل في شؤون دولة أخرى". في هذه النقطة يجب التذكير أن الحديث عن خطابين كانا أمس في الجمعية العمومية للأمم المتحدة وليس في برنامج ساخر جديد يسمى "وضع العالم".
وأضاف أن الواقع الصعب الذي تعيشه منطقتنا الآن يسمح لهذين الرئيسين بتطبيق هذه التصريحات.. وتنظيم داعش الآخذ بالازدياد (الذي يقف في وجهه تحالف من 62 دولة وجماعات متمردة معتدلة) يمنح روسيا وإيران الفرصة لتحسين مكانتهما في المجتمع الدولي.
بالنسبة للروس هذه فرصة لطمس موضوع أوكرانيا وضم القرم، أما بالنسبة لإيران فهي طريقة جيدة لإخفاء 35 سنة من تصدير الإرهاب الأكثر نجاحا في العالم. بصدق، إن وجود داعش جيد.
وأضاف أنه لا شك أن أمس كان يوم إيران وروسيا. أولا، الحملة الكبيرة لبوتين: روسيا التي استُبعدت من الـ جي 8 بسبب ضم القرم، تحولت فجأة إلى أمل العالم الجديد في الحرب ضد داعش.
أما إيران التي تحظى بدعم الاتفاق النووي والتعاون مع الولايات المتحدة في العراق ضد داعش، فهي تتحدث عن نظام عالمي جديد "برعاية الاتفاق النووي"، بحسب روحاني.