شكا مقاتلون من مليشيا قوات
الحشد الشعبي في
العراق، أصيبوا بإعاقات جسدية جراء مشاركتهم بالقتال ضد تنظيم الدولة، من إهمال الحكومة والمرجعيات الشيعية لهم، وعدم إيلائهم أي اهتمام أو مساعدة لتعويضهم عن إصابتهم البالغة التي أصيبوا بها في المعارك ضد التنظيم.
فعباس الركابي، أحد مقاتلي مليشيا الحشد الشعبي، بترت قدماه، ولم يعد باستطاعته الخروج من منزله الكائن في إحدى أحياء بغداد الشيعية الفقيرة، لكسب قوت يومه، فيما يخشى الركابي أن يبقى طريح الفراش، ويكون عالة على زوجته وأهله، وأن يعيش مدى الحياة مع أطفاله على مساعدة الآخرين، كما يقول وهو يذرف الدموع.
وقال الركابي في حديث مع "عربي21": "إن حالتي الصحية مزرية، وتحتاج إلى عناية خاصة، وعلاج خارج مستشفيات العراق لشدة الإصابة، وإن وضعي بات يشبه حال غالبية المصابين من فصائل مليشيا الحشد الشعبي الذين قارعوا تنظيم الدولة الإسلامية وما زلوا يقدمون التضحيات، فكان ثمن تضحيتهم من قبل الحكومة العراقية والمرجعية في النجف الإهمال".
وروى الركابي، الذي يبلغ من العمر "40" عاما، قصة إصابته التي أدت لفقدان إحدى ساقيه، قبل أن يقرر الأطباء المختصون بتر قدمه الثانية بعد انتشار الغرغرينا فيها، حيث قال: "بعد هروب الجيش العراقي والأجهزة الأمنية من أمام عناصر تنظيم الدولة في منطقة صلاح الدين، بدأ تنظيم الدولة يتقدم باتجاه بغداد لإسقاطها؛ وهذا جعل الرعب يدب في قلوبنا رجالا ونساء، وتساءلنا ماذا نفعل، حتى أصدر المرجع السيد علي السيستاني فتوى بضرورة حمل السلاح لمواجهة زحف مقاتلي تنظيم الدولة، فكنت أول الملبين لنداء فتوى السيستاني حينها، فذهبت مسرعا لإحدى الحسينيات المجاورة لمنزلي، وسجلت اسمي متطوعا، وبعد ساعات ارتديت بزة عسكرية كنت اشتريتها على نفقتي الخاصة، وركبت شاحنة عسكرية تابعة للجيش العراقي مع عشرات الشبان المراهقين المتحمسين لفكرة
القتال".
وتابع الركابي: "سألت حينها أحدهم إلى أين نحن متجهون، فقال إلى منطقة صلاح الدين، وعند وصولنا انتسبت إلى فصيل في مدينة بيجي؛ حيث كنت محاربا شرسا، وأتقدم الصفوف في أي معركة تقع مع جنود دولة البغدادي، إلا أن أرض بيجي لم تكن آمنه، فكل شيء يتحرك، إما بالعبوات الناسفة شديدة التفجير، وإما باختباء الانتحاريين داخل البيوت".
وواصل حديثه قائلا: "قبل انتهاء المواجهات مع تنظيم الدولة الإسلامية في فجر أحد الأيام، احتميت بجدران أحد المنازل، وكانت الاشتباكات ما زالت مستمرة، في تلك اللحظة انفجرت قنبلة أصابت قدمي اليمنى، تلمست مكان الجرح بيدي، فشاهدت تهشم العظم، وبترت فورا إلى حد الركبة، وأصيبت ساقي اليسرى إصابة بليغة، وبقيت على مدار ساعة كاملة أنزف، وكدت أفارق الحياة، فحملني أحد الإخوة على ظهره، وأوصلني إلى مقر للعلاج، وتم نقلي بالطائرة مع مئات الجرحى والقتلى إلى مستشفى الكاظمية، وكنا نعامل معاملة عادية، لم نتلق أي اهتمام من قبل الكوادر الطبية.
ورأى الركابي أن أكثر ما يتخوف منه ويؤلمه هو "تخلي الحكومة العراقية عنه، وتنصلها عن الوعود التي قطعتها بأن تصرف له راتبا شهريا أسوة بمقاتلي الأجهزة الأمنية كافة، موضحا أنه يضطر إلى أن يصرف شهريا من 300 إلى 400 دولار أمريكي من جيبيه الخاص، وذلك عن طريق ما يتبرع به الناس له؛ من أجل شراء الأدوية ودفع أجور الطبيب المشرف على حالته.
وقال الركابي وعلامات الندم والحسرة تعلو وجهه: "أنا نادم، خسرت أعزّ ما أملك في جسدي، أصبحت معاقا بسبب فتوى ضللت عقلي، وغلبت علي العاطفة، ودفعت الثمن، ومع الأسف أدركت أن الحكومة السابقة والحالية، والمرجعية معا، تتعمد معاملة مقاتلي الحشد بهذه الطريقة؛ لإيصال رسالة لنا مفادها أنكم بشر كالأنعام تقاتلون بالنيابة عنا لحمايتنا".
ولا يختلف حال الشاب ميثم خلف العامري عن الركابي، فالعامري مقاتل سابق في مليشيا كتائب الإمام علي، الذي ذاع صيته بين زملائه بسبب قيادته معارك عنيفة ضد تنظيم الدولة في مدينتي تكريت وسامراء في محافظة صلاح الدين.
وقال العامري في حديث لـ"عربي21": "أعاني من إرهاق نفسي، وآلام جسدية؛ بسبب استقرار رصاصتين في جسدي، واحدة في الرأس، والثانية في بطني، لذلك احتاج لمبلغ كبيرة من المال لإجراء العملية".
العامري الذي يبلغ من العمر "43 عاما"، هو أب لأربعة أطفال، يقطن في منزل قديم، مكون من غرفتين، يتساءل: "أين اهتمام الحكومة وقيادة الحشد الشعبي بي، أنا لم أستلم راتبي من الحكومة طوال الفترة الماضية كمقاتل بالحشد، ولا أعرف ما هي الأسباب، أنا بحاجة إلى عملية جراحية لاستخراج رصاصتين من جسدي، لم يعد لدي سوى أغراض المنزل لبيعها، وحتى إن بعتها لن تكفي لسد الديون والعملية".
إلى ذلك، يشار إلى أن عددا كبيرا من متطوعي مليشيا الحشد الشعبي يعانون من عدم تسلمهم رواتبهم منذ قرابة العام، ما دفعهم إلى الخروج بتظاهرات ضخمة، مطالبين بصرف رواتبهم، معربين في الوقت ذاته عن الاستياء من الحكومة الحالية التي يترأسها حيدر العبادي.