معركة
صنعاء القادمة، التي تجري الاستعدادات لها على قدم وساق هذه الأيام، لن تكون مجرد نزهة، لكلا الطرفين المتحاربين بكل تأكيد، فهي معركة مصير، وحياة أو موت لكليهما معا، كما أنها معركة الكلمة الفصل، التي ستقطع بها جُهيزة قول كل خطيب، في تحديد المهزوم من المنتصر في هذه الحرب، التي شارفت على إنهاء شهرها السادس، ورغم حديثنا المتكرر عن أهمية مدن أخرى مثل عدن وتعز وغيرهما، إلاّ أن أي حديث عن التحرير لباقي المدن
اليمنية من دون صنعاء، يبقى حديثا ناقصا ومبتورا، ولن يعني شيئا كثيرا في البُعد الاستراتيجي لهذه الحرب، كما في الأهداف التي استعرت لأجلها.
ومع اقتراب يوم الـ 21 من سبتمبر القادم، والذي كان قد سبقه تزايدا مضطردا في الحشود العسكرية، من قِبَل الجيش الوطني الموالي للشرعية وكتائب المقاومة الشعبية، المسنودة بقوى التحالف العربي، المتجهة صوب مأرب اليمنية، قادمة من المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي، بالإضافة إلى دول عربية أخرى، ومباشرتها الفعلية لمعركة تحرير مأرب، ازداد الجدل في أوساط اليمنيين والمتابعين للشأن اليمني، حول ما إذا كان ذلك مؤشرا بأن قوى التحالف العربي، قد خططت لاستعادة صنعاء وتحريرها من يد المليشيا
الحوثية، بذات التاريخ الذي سيطرت فيه هذه الأخيرة على العاصمة صنعاء قبل عام من الآن.
في حال حدث ذلك فعلا، فإنه وبلا شك سيكون بمثابة الضربة القاصمة، التي ستغير واقع الأمور تماما على الأرض، وستحسم المعركة لصالح الحكومة الشرعية وقوى المقاومة، ومن قبلهما قوى التحالف العربي بشكل أو بآخر، الأمر الذي سيؤدي بدوره إلى انهيار تحالف الحوثي وصالح في بقية المحافظات، أو سيُعجّل بانهياره على أقل تقدير.
لعلّ ما يعزز مثل هذا الطرح ويُقويه، أن تاريخ الـ21 من سبتمبر، يتصادف هذا العام وإجازة عيد الأضحى المبارك، وتحديدا في اليوم السابق ليوم عرفة، ما يعني أن الكثافة السكانية لمدينة صنعاء ستكون في أدنى مستوياتها بذاك التاريخ وخلال تلك الفترة، وكما هو معروف عنها في كل عام، وذلك بسبب مغادرة الكثير من سكانها والمقيمين فيها، إلى قراهم ومدنهم في المحافظات الأخرى، لقضاء إجازة العيد هناك، وهذا يحدث دائما في حالة السلم، فما بالك هذا العام وهي تعيش حالة حرب مستعرة.
قد يكون ذلك واحدا من الدوافع، التي لربما جعلت المعنيين بالتخطيط لمعركة تحرير صنعاء، يختارون هذا التوقيت بالذات لحسمها، حتى تأتي بأقل الخسائر البشرية الممكنة، ثم الشيء الآخر والمهم أيضا في هذا الصدد، هو أن حسم المعركة بهذا التاريخ وبهذا التوقيت، سيكون له دلالاته وأصداؤه القوية سياسيا وعسكريا، في حال تم حدوثه على الواقع فعلا، لأنه سيُزيد من مستوى الانهيار المعنوي لتحالف الحوثي وصالح، بالتزامن مع خسائرهم الكبيرة التي سيتكبدونها على الأرض من دون أدنى شك.
إذا ما تذكرنا معركة تحرير عدن، دون المقارنة –بطبيعة الحال- بينها وبين ما سيكون عليه الحال في معركة صنعاء، عدا في هذه الجزئية فقط،، فقد رأينا أن توقيتها كان مع نهاية رمضان، وبداية إجازة عيد الفطر المبارك، ما يعني أنه كان لذاك التوقيت دلالاته بكل تأكيد بالنسبة لقوى التحالف، من زاوية محاولتها تقليل الخسائر البشرية في صفوف السكان إلى أدنى مستوياتها، وهذا لن يتأتى -وفق تقديرهم- إلا من خلال فترة الإجازات، التي تخِف فيها كثافة وحركة السكان في المُدن اليمنية عموما.
بأي حال .. الحديث عن الحسم بهذا التاريخ أو بغيره يبقى مجرد تحليل ليس أكثر، لكن المؤكد لدينا أن معركة صنعاء ستطول حتما، ليس لمجرد أسابيع ولكن ربما حتى لشهور قادمة، بمعنى أنه حتى في حال حدث اجتياح بري للعاصمة صنعاء، مسنودا بغطاء جوي كثيف، واستطاعت قوى التحالف والمقاومة السيطرة عليها، فإن ذلك لن يتم إلاّ من خلال كلفة عالية جدا، وبخاصة في صفوف المدنيين، هذا أولا، وثانيا أن انهزام الطرف الثاني، لن يعني بالضرورة أنه قد انتهى وتبخّر في الهواء، وإنما سيظل يدير حرب عصابات عن طريق جيوب ستتخفى هنا وهناك، ليس بالضرورة في صنعاء وإنما حتى في باقي المدن اليمنية الأخرى، إلى أن تستطيع الدولة، ممثلة بالحكومة الشرعية، بسط سيطرتها على كامل الأرض اليمنية، وهذا سيأخذ وقتا طويلا قد يمتد لسنوات.