كتب محمد أبو رمان: حركة دؤوبة ونشاط داخلي غير مسبوق يجريان هذه الأيام في الغرف الإخوانية، تتخللهما نقاشات معمّقة عن الشأن الوطني والديني، على الصعيد الإلكتروني (مثل تأسيس مجموعة حوارات جادة)، أو حتى على صعيد القيادة.
الحراك الإخواني لا يقتصر على الحوارات، بل يصل اليوم إلى إعادة نظر في النظامين الداخليين لكل من جماعة الإخوان المسلمين وجبهة العمل الإسلامي، بما يؤدي إلى تغييرات مهمة على صعيد توسيع رقعة المشاركة في اختيار القيادة (بدلا من الاقتصار على مجالس الشورى)، وإقحام جيل الشباب بصورة أكبر في الانتخابات الداخلية (عبر تصغير عمر المرشحين والناخبين)، والحدّ من الشروط الصعبة السابقة لتداول السلطة التنظيمية (عبر تخفيف شروط مدة العضوية)، وإلغاء المال الانتخابي (عبر عدم اشتراط تسديد الاشتراكات)، وإلغاء وصاية شورى الإخوان في اختيار الأمين العام لجبهة العمل الإسلامي، واقتصار ذلك على الحزب، بخلاف الأعوام السابقة التي كان الحزب يخضع فيها لشورى الجماعة.
هي تغييرات جوهرية مهمة بلا شك، ستؤتي نتائج نوعية -مفترضة- مع الانتخابات التنظيمية المرتقبة العام المقبل للجماعة والحزب. لكنّها لا تكفي لـ"تحريك المياه الراكدة" والخروج من الأزمة البنيوية الداخلية من جهة، ومع النظام من جهة أخرى؛ فهناك خطوات أخرى في المشوار فيما يتعلّق بخطاب الجماعة وتطويره، لتجاوز الوقوف ما قبل لحظة الانقلاب العسكري الذي حدث في مصر قبل عامين.
فالمطلوب إعادة قراءة المعادلة السياسية بواقعية وعقلانية، بالإضافة إلى الاستفادة من أخطاء الماضي، ومع هذا وذاك إفراز قيادة جديدة من الشباب المسيس في الحزب والجماعة تكون أكثر قدرة على تقديم هذا الخطاب ومخاطبة النخبة السياسية.
على الطرف الآخر، تنظر "الجماعة" بعين الترقب والقلق من تسارع خطوات الدولة باتجاه القضاء على الجماعة قانونيا وإداريا بالضربة القاضية، عبر أخذ مقرّاتها والحجز على كامل أموالها، كما يطالب بذلك قادة الجمعية الجديدة المرخصّة باسم "جمعية جماعة الإخوان المسلمين"!
سيقول البعض إنّ الخطوات الحالية لدى الجماعة والحزب متأخرة كثيرا، ولو أتت قبل ذلك لأتت بنتائج مهمة.
هذا صحيح، لكنه لا يعني الاستغناء عن هذه الفرصة المهمة لجذب الجماعة والحزب مرّة أخرى إلى المسار السياسي الحالي، خاصة أنّنا أمام استحقاق انتخابات مقبلة، على صعيد البلديات ومجلس النواب واللامركزية، ووجود هذا التيار العريض داخل النظام السياسي أفضل بكثير من بقائه في الخارج!
أول من أمس، أعلن رئيس الوزراء عن قانون الانتخاب المعدل، وحمل مفاجأة كبيرة للجماعة، بما يفتح الباب لعودتها (والحزب) إلى الانتخابات والحياة السياسية، مع عدم وجود هواجس لدى "الخصوم" من هيمنتها أو سيطرتها على الأغلبية النيابية.
وردّ الفعل الأولي من مراد العضايلة، أحد قيادات الحزب، كان ذكيا قبل أن يتطوّع أمين عام الحزب، محمد الزيود، في حديثه لـ"الغد" بتصريح يكشف أهمية أن تأتي الانتخابات الداخلية القادمة بقيادة سياسية بعيدا عن حسابات تنظيمية داخلية باهتة!
برزت نوايا إيجابية واضحة في اجتماع شورى الحزب
(قبل يومين)، باتجاه العودة إلى المسار الانتخابي، بل والبحث عن قنوات للحوار والنقاش مع مراكز القرار في الدولة، والمبادرة للقاء سياسيين مقرّبين من "مطبخ القرار" في محاولة لتخفيف حدّة الأزمة غير المسبوقة بينهم وبين النظام.
أيّا كانت التبريرات، فإنّ قراءة عقلانية ذكية من دوائر القرار تدفع إلى إعادة فتح قنوات الحوار مع الحزب والجماعة، فمصادرة الاسم لن تؤدي إلى إلغاء القاعدة الشعبية العريضة التي من الضروري إدماجها في اللعبة السياسية لتدعيم اللعبة ذاتها، وليس إقصاءها وإخراجها من حدود الملعب!