علقت صحيفة "التايمز" البريطانية في تقرير لمراسلتها بيل ترو، على المعاملة التي لقيها سفير لندن في القاهرة جون
كاسون، وقالت إن
مصر افتعلت ضجة مع
بريطانيا.
ويشير التقرير إلى أن كاسون، الذي يتحدث اللغة العربية بطلاقة، قام بإطلاق تعليقات لم تعجب المسؤولين المصريين حول معاملة صحافيي "
الجزيرة" الثلاثة، والحكم الثاني الصادر عليهم. فقد قررت محكمة في القاهرة يوم السبت الحكم على كل من محمد فهمي وباهر محمد وبيتر غريستي وعدد آخر بالسجن المشدد في ما يعرف بـ"خلية الماريوت".
وتذكر الكاتبة أن الخارجية المصرية استدعت السفير كاسون، وأخبرته أن تعليقاته خارج المحكمة غير مقبولة، وتعد تدخلا في القضاء المصري. مشيرة إلى أن كاسون قد علق على الحكم بقوله إنه يشعر بالصدمة والقلق تجاه الحكم الصادر على الصحافيين. وبعد ذلك نشر ما قاله على "تويتر" باللغتين العربية والإنجليزية، وهو ما أثار غضبا بين متابعيه الـ 28 ألفا.
وتبين الصحيفة أن الحكم الصادر هو الثاني على الصحافيين، الذين اعتقلوا في كانون الأول/ ديسمبر 2013، واتهموا بنشر "أخبار كاذبة" عن مصر، والتعاون مع جماعة الإخوان المسلمين. وبقي كل من فهمي ومحمد في المعتقل طوال المعركة القضائية، فيما رحل غريستي وحكم عليه غيابيا.
وتفيد ترو بأن المحاكمة قد لقيت شجبا دوليا، ووصفت بالمهزلة، وعدت جزءا من حملة مقصودة لتقييد الحريات في مصر. ومن هنا جاء تعليق السفير البريطاني: "أشعر أن الحكم الصادر اليوم سيؤثر على الثقة واستقرار مصر في داخلها وخارجها". وأضاف أن "بريطانيا تدعم استقرار مصر. ولكن السؤال يظل إن كان هذا الاستقرار هشا ومؤقتا، ويقوم على تعليق الحريات الإعلامية وحرية التعبير".
ويلاحظ التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، أن دبلوماسيين من الدول ذاتها التي كان أبناؤها على علاقة بالقضية، بينها هولندا وكندا وأستراليا، أصدورا تصريحات شجبوا فيها المحاكمة، فقد وصفت المحامية في مجال حقوق الإنسان أمل كلوني، التي تمثل فهمي، الحكم بـ الفعل "الفاضح". وكان كاسون الوحيد الذي عبر عن مشاعره الرافضة للحكم باللغة العربية، وتحدث بشكل مطول مع الصحافة المحلية في مصر، ما أثار غضب وزارة الخارجية المصرية.
وتنقل ترو عن المتحدث باسم وزارة الخارجية أحمد أبو زيد قوله إن "كاسون خلط موضوعات تتعلق بحرية التعبير والصحافة بتلك التي وردت في الحكم الصادر، التي تتعلق بانتهاكات ارتكبها المتهمون".
وأضاف أبو زيد للصحيفة أن السفير البريطاني استهدف بالذات؛ لأنه الوحيد الذي قدم تصريحات في القاهرة. وقال إن "المهمة الرئيسة للسفير في مصر هي تقوية العلاقات الدبلوماسية وعلاقات التعاون وبناء الثقة، لا إطلاق تصريحات تترك آثارا سلبية على العلاقات". وقالت السفارة البريطانية في القاهرة إنه تم نقل مظاهر القلق المصري إلى لندن.
وتعلق الصحيفة بأن الرئيس المصري عبد الفتاح
السيسي، المتوقع زيارته إلى لندن في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر، يواجه ضغوطا دولية لإصدار عفو عام عن الصحافيين الثلاثة، كون ذلك يشكل دليلا على تحقق العدالة في مصر. وينظر إلى الإجراءات القانونية على أنها امتحان قاطع للحريات، التي يرى النقاد أنها تختفي بشكل مستمر في ظل حكم قائد الجيش السابق. وكان السيسي قد وصل إلى السلطة بعد الإطاحة بالرئيس محمد مرسي، واعتقل صحافيو "الجزيرة" بعد خمسة أشهر، ولا يزال هناك 20 صحافيا في المعتقلات.
ويلفت التقرير إلى أن مصر قد اتهمت دولة قطر باستخدام قنواتها الإخبارية لدعم قضية الإخوان، التي صنف النظام الجديد في مصر جماعتهم بأنها منظمة إرهابية. وقامت سلطات الأمن بعد الانقلاب بمداهمة مكاتب "الجزيرة" في القاهرة، ما أجبر صحافييها على العمل وبشكل مؤقت من فندق "الماريوت". وفي العام الماضي حكمت عليهم محكمة أحكاما بالسجن، تتراوح ما بين سبع إلى عشر سنوات، وقامت محكمة التمييز بإلغائها بداية هذا العام. وتم ترحيل غريستي إلى أستراليا في شباط/ فبراير العام الحالي. وفي الحكم الجديد قرر القاضي حسن فريد إصدار حكم جديد عليهم، حيث قال إن الثلاثة لم يكونوا صحافيين، ولكنهم كانوا يقومون بتزوير الأخبار، رغم أن الفريق الذي عينته المحكمة لفحص المواد التي نشرها الثلاثة لم يعثر على أدلة إدانة ضدهم.
وترى الكاتبة أن الحكم الصادر يأتي وسط إجراءات لتقييد حرية الإعلام قبل الانتخابات البرلمانية، التي ستعقد في شهر تشرين الأول/ أكتوبر. وجاء بعد تمرير قانون مكافحة الإرهاب، الذي يوفر الحماية للأمن والجيش، ويعفيهما من المساءلة أثناء تطبيقه. ويجرم القانون أشكال التحريض كلها، حتى لو تمت ممارسته بطريقة خاصة. ويغرم القانون الصحافيين 67 ألف دولار لمن ينشر أخبارا كاذبة. وقامت هيئة الاستعلامات الحكومية بإنشاء فريق لفحص المواد المنشورة عن مصر في الإعلام الخارجي كلها. ودعمت الحكومة المشروع، الذي تلقى فريقه تدريبا من "آي ميديا إيثكس"، الذي تقوم بالإشراف عليه روندا شيرر، وهي مواطنة أمريكية مقيمة في القاهرة.
وتورد الصحيفة أن شيرر كتبت مقالة الأسبوع الماضي انتقدت فيها تغطية الإعلام الأجنبي للهجوم الذي نفذه فرع تنظيم الدولة في سيناء ضد قوات الجيش المصري. وقالت فيه إن على الصحافيين الذين نشروا أرقاما غير صحيحة عن القتلى في الهجوم تقديم الاعتذار إلى أمهات مصر، وتصحيح ما نشر.
وعلقت "التايمز" في افتتاحيتها على الحكم بقولها إن السيسي كان واعيا للضرر الذي تسبب فيه الحكم الأول الصادر على صحافيي "الجزيرة". والمحاكمة، التي قدم فيها الادعاء أشرطة فيديو موسيقية وبرامج عن الحيوانات دليل اتهام، كانت "مهزلة"، ولكن المحاكمة الثانية أنتجت حكما أكثر خزيا. وإذا كانت المحاكمة الأولى قد جلبت السخرية لمصر، فإن الثانية تأتي في ظل فرض قانون قاس لمكافحة الإرهاب.
وأشارت الافتتاحية إلى الحساسية التي أبدتها مصر من النقد، وقد بدت في معاملتها للسفير البريطاني، الذي لم يكن الوحيد الذي انتقد الحكم. فوزارة الخارجية الأمريكية عبرت عن خيبة أملها منه، لكن جريمة السفير كاسون أنه عبر عن موقفه باللغة العربية، ولم يؤخذ بتصريحات كلوني، التي تمثل فهمي، والتي جاء فيها أن القضاة سمحوا بتحويل محاكمهم إلى أداة سياسية وقمعية.
وتجد الصحيفة أن القضية أصبحت وجه مصر، فمنذ البداية، ونظرا لغضب حكومة الجيش من التغطية الإعلامية لقناة "الجزيرة"، قررت أن تلقن الرجال الثلاثة درسا، وتجعلهم عبرة لمن لا يعتبر. واعترف السيسي بخطأ هذا الموقف، وعبر عن دعمه لترحيلهم. ولكنه قال إنه لا يستطيع التدخل في قرارات القضاة. ولكنه سيجد نفسه اليوم تحت ضغوط كبيرة، خاصة أن الثلاثة يطالبون بعفو رئاسي.
وتخلص "التايمز" إلى أن السيسي لن يكون حكيما لو رفض تصريحات السفير البريطاني، خاصة أنه سيقوم بأول زيارة له إلى بريطانيا، و"عليه أن يعرف أن الحكومة قد عضت لسانها، وترددت في نقد حكمه المستبد"، مشيرة إلى أن مصر بحاجة إلى مساعدة الغرب، فهي تعاني من أزمة اقتصادية، وتواجه حربا مع المتشددين في سيناء، وهناك أدلة عن تثبت أقدامهم في مصر، مستدركة بأنه "على الغرب ألا يغض الطرف عن منع حرية التعبير، فالاضطهاد ليس حلا للحركات الإسلامية، بل إنه يزيد من نارها".