قالت صحيفة نيويورك تايمز، في تقرير لها، إن تطوير
قناة السويس عبر فتح التفريعة الجديدة لها "لن ييسر سبيل
مصر الاقتصادي لها".
وفي تقرير لمراسل الصحيفة دافيد كيركباتريك، نشرته الخميس، تحدثت الصحيفة عن فقرات افتتاحها، قائلة إن "شبكات القنوات التلفزيونية والصحف أعلنت أن مصر تبتهج بالهدية التي تقدمها مصر إلى العالم"، مشيرة إلى إغلاق المؤسسات، وإخلاء شوارع القاهرة من المارة، وضجيج الشوارع بالأغاني والموسيقى الوطنية، ونشر صور زعيم الانقلاب عبد الفتاح
السيسي، ومقاطع فيديو لبواخر الشحن المنطلقة باتجاه البحر.
وأشارت الصحيفة إلى خطاب ألقاه السيسي في جمهور من كبار الشخصيات التي جمعت له بالقرب من مدينة الإسماعيلية المطلة على قناة السويس لحضور مراسم الافتتاح؛ إذ أعلن السيسي بأن "المصريين بحاجة لأن يثبتوا لأنفسهم وللعالم أنهم مازالوا قادرين، واصفا المشروع بأنه "شريان إضافي لجلب الازدهار إلى العالم"، كما أوضحت الصحيفة أن أئمة مصر سيخطبون الجمعة هذا الأسبوع عن فوائد المشروع وتشبيهه بالخندق الذي حفره النبي محمد، والذي مهد للانتصار في ساحة المعركة.
إلا أن الصحيفة استدركت بقولها إن "القناة الجديدة لا تعدو كونها قناة جانبية موازية تجري لمسافة لا تتجاوز ثلث طول الممر المائي القائم"، في حين أن رجال الأعمال والتجار يرون أن المشاكل الاقتصادية للبلاد ليست مرتبطة بالقناة، إذ إن المشاكل تكبل بقية الاقتصاد المصري، متمثلة في "الحكومة الرديئة وانعدام الشفافية، والتواكل وسوء الوضع الأمني العام"، فيما يقول بعض المحللين إن الدعاية المتكلفة التي رافقت تدشين القناة لا تساعد كثيرا في تبديد شكوك المستثمرين، بحسب الصحيفة.
وقالت الصحيفة إن الفائدة الحقيقية للقناة الجديدة هي أن تخفض معدل زمن العبور للسفن ربما بعدة ساعات، إلا أن حكومة السيسي تقول للمصريين إن توسيع القناة يستهدف إضافة مئة مليون دولار سنويا إلى الاقتصاد، وإيجاد مليون فرصة عمل إضافية، وهي أرقام مستحيلة تماما، كما تقول الخبيرة الاقتصادية المصرية ريم عبد الحليم للصحيفة.
وكان السيسي قد حدد موعدا أقصاه عام واحد لشق القناة الجديدة، الأمر الذي زاد بشكل كبير من تكاليف المشروع، والتي تقدر بما يقرب من مليار دولار، بحسب ما يقوله المسؤولون المصريون، إلا أن الاستعجال في تنفيذ المشروع لم يتجاوز الرمزية، ويؤكد خبراء الاقتصاد أنه لم يعد على مصر بريع ملموس.
من المعلوم أن القناة الحالية تشتغل بأقل بكثير من طاقتها القصوى، وذلك جزئيا بسبب استمرار حجم الملاحة المنخفض عن الذروة التي وصل إليها قبل ثمانية أعوام، فيما استمر حجم النقل التجاري في الانخفاض هذا العام أيضا بسبب انتكاس الوضع الاقتصادي في الصين وتراجع الطلب الغربي على نفط الخليج.
ورأى راجي أسعد، زميل منتدى البحث الاقتصادي هنا والأستاذ في جامعة مينيسوتا، إن إنجاز المشروع في "ثلاثة أعوام كان أمرا معقولا جدا".
وقال بيتر هينشليف، أمين عام الاتحاد الدولي للملاحة، لتقرير الصحيفة، إن التقلبات الحاصلة في السوق تجعل من أي استقراء لمعدلات الدخل الواردة مستقبلا من عبور الناقلات في القناة مجرد تكهن في أحسن الأحوال. وتقدر منظمته بأن حجم الملاحة الإجمالي سينمو بمعدل يزيد عن 30 بالمائة عبر السنوات العشر القادمة، إلا أن حكومة السيسي تتوقع أن تساهم القناة الجديدة في مضاعفة الدخل الإجمالي للقناة بحلول عام 2023 من 3ر5 مليار دولار إلى 2ر13 مليار دولار في العام الواحد.
وهنا أشار هينشليف لحكمة قديمة تقول: "التوقعات تظل عظيمة إلى أن تبدأ الحديث عن المستقبل".
القناة والتفريعة
وعندما اكتمل إنشاء القناة الأصلية في عام 1869 كان ذلك بمثابة ثورة في عالم التجارة الدولية؛ لأنها ربطت البحر الأحمر بالبحر المتوسط، واختصرت الطريق ما بين الشرق والغرب، ما وفر على السفن عناء رحلة طويلة حول الطرف الجنوبي من القارة الأفريقية، فيما كان طول القناة مئة ميل، وأنجز حفرها على مدى عشرة أعوام عشرون ألف مجند في العام الواحد، بحسب ما هو وارد في التاريخ الرسمي لها، بحسب الصحيفة.
وتابعت الصحيفة بالقول بأن "بعض أجزاء القناة ضيق جدا؛ بحيث لا تسمح بمرور الناقلات في الاتجاهين، ولذلك تقوم سلطات القناة بترتيب عبور السفن، بحيث تعبر قوافل منها في اتجاه ثم قوافل أخرى في الاتجاه المعاكس على الترتيب، ولم تلبث مصر تسعى منذ عقود لتخفيض معدلات الاختناقات في العبور، ولذلك فقد أضافت السلطات ثلاث قنوات جانبية في عام 1955، ثم ثلاث أخرى في عام 1980. كما عملت الحكومة في العقود الأخيرة في تنفيذ مشاريع التجريف (التكريك) لتعميق القناة؛ حتى تتمكن من استيعاب السفن الأكبر والأضخم".
تضيف القناة الجديدة التي ستفتتح الخميس ثلاثين ميلا، وذلك في محاولة لإتاحة العبور في الاتجاهين في الوقت ذاته لأطول مسافة ممكنة خلال المعبر المائي، ورغم أن القناة الجديدة لن تتيح بعد العبور في الاتجاهين في الوقت ذاته على امتداد القناة، إلا أنه سيسرع من العبور من خلال السماح للقوافل الأطول أو الأكثر ترددا على القناة بالعبور. ولاشك في أن ذلك سيسهم في جذب المزيد من الملاحة.
بالنسبة لشركات الملاحة التي عليها أن تختار ما بين قناة السويس وغير ذلك من الخطوط "كل ما يهمها هو الوقت"، و"كم من الوقت يمكنها أن توفر"، كما يقول ويلي سي شيح، الأستاذ بكلية الأعمال في جامعة هارفارد الذي يعكف على دراسة التصنيع والنقل.
أما فيما يتعلق بإيجاد فرص العمل، فهذا أمر يتوقف على جذب المستثمرين لإقامة المصانع أو مرافق النقل والخدمات في المناطق الصناعية المخطط لها حول القناة. ويرى الخبراء أنه لا يوجد ما يدعو إلى الاعتقاد بأن قصر زمن العبور في القناة سيضمن جذب المستثمرين الذين نفرتهم التحديات الأخرى التي تشكل عقبات في طريق التجارة والاستثمار داخل مصر، بحسب التقرير.
وقال شيح إن "مصر سوف تحتاج بالتأكيد لمثل هذا النوع من البنية التحتية لإنتاج الوظائف ولكن، أمامهم طريق طويل لابد أن يشقوه".
دعم الاقتصاد ومكافحة الإرهاب
لقد أخافت الهجمات التي يقوم بها المسلحون في القاهرة وفي شمال سيناء المستثمرين، بحسب ما يؤكده خبراء الاقتصاد، ويبدو أن السيسي تخلى عن التغييرات الاقتصادية مقابل تحقيق استقرار سياسي قصير المدى، بحسب الصحيفة.
لقد أنفقت حكومته المليارات من الدولارات التي حصلت عليها من ممالك دول الخليج لتحسين البنية التحتية للطاقة في مصر وتجنب المزيد من الانقطاعات في التيار الكهربائي، إلا أن خبراء الاقتصاد وجماعات رجال الإعمال يقولون بأن الحكومة حرمت قطاع الصناعات من الطاقة إرضاء للمستهلكين.
بينما اختفت تقريبا انقطاعات التيار الكهربائي عن المنازل في القاهرة، إلا أن هذا التحسن الذي طرأ على المنازل هذا العام جاء جزئيا على حساب المصانع، كما يقول محمد حنفي المدير التنفيذي لقطاع الصناعات المعدنية في الاتحاد الصناعي المصري شبه الحكومي، والذي يضيف أن "معدل توقف المصانع عن العمل بسبب انقطاع التيار الكهربائي زاد مقارنة بما كان عليه في العام الماضي.
وتابع التقرير بأن "السيسي بدأ العام الماضي في قطع الدعم الذي كانت تقدمه الحكومة المصرية للمأكولات وللطاقة، وهو الدعم الذي ما عادت مصر قادرة على تحمله. إلا أن الخطط المكملة لذلك، التي كان من المفروض أن تؤدي إلى زيادة الضرائب تعطلت بسبب ما واجهته من معارضة من قبل كبار رجال الأعمال".
مشاريع "فنكوش"
وكان السيسي قد أعلن في مؤتمر استثماري عقد في شهر آذار/ مارس من هذا العام، وفي أجواء احتفالية غير عادية، أن رجل أعمال إماراتي يعمل في مجال الإنشاءات والعقارات سيبني مدينة حديثة بالقرب من القاهرة، إلا أن الاتفاق المبدئي مع الرجل حول المشروع ما لبث أن انهار، وأحاطت الشكوك بمصيره وبإمكانيات الحصول على تمويل له.
ذهب بعض المصريين إلى وصف مشروع العاصمة الجديدة ومشاريع القناة،، مستخدمين مفردة "فنكوش" التي وردت في أحد الأفلام الشعبية، و فنكوش هذا هو عبارة عن منتج وهمي جرى الترويج له من قبل خبير تسويق عبقري، حيث يلجأ في الفيلم إلى توفير الطلب الذي أوجده بنفسه أساسا من خلال بيع حلويات مكسوة بالمواد المخدرة. وفي مقابلة له منذ فترة قريبة قال أشرف سلمان، وزير الاستثمار، ردا على تساؤل وجهه له بإلحاح مقدم البرنامج حول ما إذا كان مشروع العاصمة الجديدة كان سيلقى مصيرا مشابها: "الأمر الأول، إن أهم شيء هو أنه ليس فنكوش".