قالت ناريمان
التميمي، المرأة التي هاجمت الجندي
الإسرائيلي عند اعتقاله طفلها الصغير، إنها وابنها كانا يشاهدان الاحتجاج عن بعد عندما لاحظت أن شيئا ما لم يكن على ما يرام، فالجنود الذين يعمدون في العادة إلى سد الطريق على المحتجين حتى لا يصلوا إلى سفح الجبل في قريتها، بدوا وكأنهم يشجعون المحتجين على النزول إلى السفح.
وأضافت ناريمان، في مقابلتها لموقع "ميدل إيست آي" البريطاني، وترجمتها "
عربي21"، بالقول: "لقد رأينا الجنود وقد أحكموا قبضتهم على ابن أخي وشاهدناهم يتوجهون لإلقاء القبض على ناشط أجنبي، فهرول الجميع باتجاههم ليساعدهم".
ما حدث بعد ذلك التقطته الكاميرا عبر سلسلة من الصور، التي يظهر فيها غلام صغير يسعى جندي إسرائيلي إلى تثبيته بالأرض، بينما انقضت أمه وخالته وأخته على الجندي في محاولة لتخليص الغلام من براثنه.
كالنار في الهشيم
وانتشرت الصور، وكذلك الفيديو، الذي يوثق الحادث كالنار في الهشيم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وجذبت القصة انتباه مواقع الأخبار العالمية.
وذهلت عائلة التميمي، التي تعرف بأنها عائلة من النشطاء
الفلسطينيين، بالانتشار السريع والواسع للصور وللفيديو التي قام بتصويرها بلال التميمي، عم الغلام محمد الذي كان يجري اعتقاله أمام الكاميرا.
وتحدث بلال مع الموقع البريطاني، من منزل عائلته في قرية النبي صالح، التي تقع على مشارف مدينة رام الله، قائلا: "وصل عدد من شاهدوا مقطع الفيديو الذي صورته اليوم فقط ما يزيد عن مليون. لا أكاد أصدق ذلك، بل لا يكاد يصدقه منا أحد".
أما خالة محمد، نوال التميمي، التي ظهرت في مقطع الفيديو وهي تستميت في دفع الجندي وضربه في وجهه وفي بدنه سعيا بكل ما أوتيت من قوة لتخليص ابن أختها من قبضة الجندي، فتقول إنها ممتنة لوجود الكاميرات في الموقع في أثناء الحدث.
وقالت نوال: "مثل هذه الحوادث ليست غير شائعة في النبي صالح أو في فلسطين. نشعر بالامتنان أن الناس الآن يشاهدون هذه الصور ويرون بأنفسهم ما الذي يفعله الاحتلال، ولكن كثيرا مما يحدث يكون في معظم الأوقات أسوأ من ذلك بكثير. لو لم يكن هناك في ذلك اليوم عدد كبير من الناس بكاميراتهم، لكانوا ربما أطلقوا النار علينا وأخذوا محمد، ولما كان ذلك أمرا غريبا".
وتنظم قرية النبي صالح مظاهرة أسبوعية كل يوم جمعة منذ عام 2009 بلا توقف للاحتجاج على الاحتلال الإسرائيلي للمناطق الفلسطينية، وعلى مصادرة أراضي النبي صالح من قبل مستوطنة هالاميش المجاورة غير القانونية.
وقد اشتهرت القرية بالمصادمات الشديدة التي تحدث في تظاهراتها، واشتهرت كذلك بالتنظيم الذي تمارسه لجنة المقاومة الشعبية التابعة لها.
وتعني حركة المقاومة القوية في النبي صالح تعرض بيوت القرية كل حين للمداهمات الليلية من قوات الاحتلال، التي تنجم عنها في العادة اشتباكات بين الجنود والأهالي.
لا يوجد مكان آمن
كل أطفال ناريمان، بمن فيهم أصغر أبنائها ذو الأعوام التسعة، يشاركون في تظاهرات النبي صالح. وهي تقول إنها لا تبقي أطفالها داخل البيت في أثناء الاحتجاجات لأنهم حتى عندما يكونون داخل البيت ليسوا في أمان.
يضع الغلام الصغير الذي يظهر في الصور جبيرة على ذراعه، وذلك بسبب إصابة – حسبما تقول والدته – تكبدها عندما هاجم الجنود الإسرائيليون بيتهم قبل يومين فقط من حادثة يوم الجمعة.
وحول ذلك قالت ناريمان: "بإمكانكم من خلال الصور رؤية أنه يضع جبيرة على ذراعه. فقد أطلق الجنود قنابل غازات مسيلة للدموع داخل البيت وحطموا النوافذ، فأصابت إحدى قنابل الغاز التي تطايرت داخل المنزل ذراعه وكسرت رسغه. لم يكن محمد مشاركا في الاحتجاجات يوم الجمعة لأن رسغه كان للتو قد انكسر".
وأصرت ناريمان على أنه "لا يوجد مكان آمن في النبي صالح سواء داخل البيوت أو خارجها، إلا أنه من الأفضل للأطفال أن يكونوا هناك في الخارج يواجهون مخاوفهم بدلا من أن يظلوا هنا مختبئين، فمشاركتهم تجعلهم من الناحية النفسية أفضل حالا".
إذا كنت تحب أحدا يجب عليك حمايته
كان المصورون أول الناس وصولا إلى محمد، وهم الذين وثقوا بكاميراتهم اللحظات الأولى للحدث يوم الجمعة، بينما كانوا يصرخون في وجه الجندي يطالبونه بإخلاء سراح الغلام ويحذرونه من أن ذارعه كانت مكسورة.
أما أخت محمد، عهد، ذات الأربعة عشر عاما، أول من حضر لنجدته، إذ تقول عهد: "في البداية حاولت الحديث مع الجندي وإقناعه بترك محمد، ولكنه رفض، ولذلك عملت كل ما في وسعي لتخليص أخي من براثنه. أي شخص في مكاني كان سيفعل الشيء نفسه لإنقاذ أخيه أو من يحب، فإذا كنت تحب أحدا يجب عليك حمايته".
واحدة من الصور التي حظيت بأعلى نسبة من المشاهدة والمشاركة، كانت صورة عهد وهي تعض يد الجندي في أثناء النضال في سبيل تحرير محمد.
وقالت عهد: "لم أدر ما الذي كنت أفعله. كنت فقط أفعل كل شيء بوسعي من أجل تحرير أخي".
عهد ووالدة محمد التي ظهرت في الصور تخرمش وجه الجندي وتنزع عنه قناعه تشتركان في المشاعر نفسها.
وصلت ناريمان إلى مكان الواقعة بعد عهد، يمكن في الفيدو سماع صوتها تصيح مرارا وتكرارا "ابني، ابني" قبل أن تصل إلى طفليها وهما يتعاركان مع الجندي.
عندما سئلت ما إذا كانت تخشى عواقب اشتباكها بشكل مباشر مع الجندي، قالت ناريمان: “لم أكن أفكر في شيء على الإطلاق، سوى إبعاد ذلك الجندي عن ابني مهما كلفني ذلك. كان المدفع الرشاش يتدلى من الجندي فوق رأس ابني وكانت يده مطبقة على رقبته.”
عندما رأت ناريمان الصور للمرة الأولى تملكتها عاصفة من المشاعر.
وفي ذلك تقول: "كنت أضحك وكنت أبكي. في البداية كنت أضحك عندما رأيت وجهي ووجه ابنتي حينما عضت الجندي، وبينما كنت أسحبه ورأيت ملامح وجهه. ولكن عندما رأيت الخوف في وجه محمد بكيت، فلا يوجد أم ترغب في رؤية مثل هذا الخوف في وجه طفلها".
رغم ملامح الرعب التي ارتسمت على وجه محمد في الصور الملتقطة، تراه يرفض فكرة أن الحادث كان أكثر اللحظات رعبا في حياته التي انقضى منها أحد عشر ربيعا.
وفي ذلك يقول محمد بينما ينسل بعضا من خيوط الجبيرة التي تغطي ذراعه: "أكثر اللحظات رعبا في حياتي لم تكن يوم الجمعة، وإنما كانت عندما كنت في التاسعة من عمري. كان الجنود قد جاؤوا إلى القرية في منتصف الليل، ولم يوجد حينها أحد من الصحفيين ليشهدوا على ما كان يجري. هرولنا هربا منهم، ولكن الأطفال الأكبر سنا كانوا أسرع عدوا".
كما حصل معه يوم الجمعة، انفصل محمد عن باقي المجموعة، وتمكن أبناء عمومته الأكبر سنا من الوصول إلى قمة التل، لكنه وأحد أبناء عمومته ظلا في القاع، بينما كان الجنود يطبقون عليهما، كما يقول.
يشرح محمد ما حصل آنذاك على النحو التالي: "كان الجنود يوشكون على اعتقالنا إلا أن أبناء عمومتنا بدأوا بإلقاء الحجارة عليهم فتمكنا من الإفلات، ولكن عندما وصلت إلى الباقين أطلقوا النار على ابن عمي أمامي مباشرة. تلك كانت أكثر اللحظات رعبا في حياتي، وليس بالأمس".
ناريمان ليست غريبة على المواقف الصعبة، ولكنها تقول إن أي أم كانت ستفعل ما أقدمت عليه هي انطلاقا من فطرتها كأم، وبغض النظر عن المخاطر التي قد تواجهها.
تقول ناريمان بكل حماسة: "لو كنت أما فإنك ستحمين أطفالك دون تفكير، وحتى القطة حينما ترى خطرا يتهدد صغارها فإنها ستهاجم مصدر الخطر، وهذا هو بالضبط ما فعلته. لم يكونوا فقط يحاولون إلقاء القبض عليه، فالطريقة التي كان الجندي مطبقا يديه على رقبة ابني جعلتني أشعر أنه كان يمكن أن يفتك به".