يواجه النظام
الجزائري أزمات متعدّدة الرؤوس تنذر باشتعال الجبهة الاجتماعية الملتهبة أصلا، بحسب تقارير أكدّت أنه دخل بالفعل في سباق ضدّ الساعة للبحث عن حلول عملية لـ "تبريد تلك الجبهة".
وقال مسؤولون إن الحكومة ستعقد قريبا سلسلة اجتماعات تحسبا لأي طارئ في ظلّ مؤشرات قوية على حالة من التململ الاجتماعي.
ومن المتوقع أن يكون ملف التعليم على رأس الأولويات التي ستبحثها مع الأطراف المعنية بأزمة نقص الأساتذة، والاكتظاظ، وتلويح نقابات التعليم المبكر بالإضراب، إلى جانب ملفات أخرى تتعلق بالأزمة المالية الآخذة في التفاقم على ضوء التراجع الحادّ في ايرادات البلاد النفطية بفعل موجة انخفاض الأسعار في الأسواق العالمية، وتراجع حجم صادرات الطاقة بسبب الركود وتزايد الطلب المحلي.
وأشارت صحيفة محلية إلى أن زخم الاجتماعات المرتقبة على مستوى مجلس الوزراء والمحافظات وطبيعة الملّفات المطروحة، تعكس في جانب كبير منها استنفارا حكوميا لـ"تفكيك القنابل الموقوتة خاصة وأن العديد من الجبهات الاجتماعية كشّرت عن أنيابها".
وبحسب المصادر ذاتها، سيجتمع رئيس الحكومة عبد المالك سلال في 29 آب/ اغسطس الجاري بجميع المحافظين بمن فيهم المنتدبون الجدد، وهو أول لقاء له بسلك الولاة بعد حركة التعيينات الأخيرة.
وقالت صحيفة "الشروق" الجزائرية، إن ملف الجبهات الاجتماعية المتوترة سيكون على رأس جدول الاجتماعات إضافة إلى مسألة أخرى توليها الحكومة اهتماما كبيرا، وهي بحث سبل التطبيق الفعلي لإجراءات التقشف والضغط على الانفاق الحكومي، واحتواء التداعيات المحتملة لتوزيع المساكن الاجتماعية الذي يتسبب عادة في موجة سخط شعبي بتهمة منح تلك المساكن على أساس المحسوبية والولاءات.
استخدم النظام خلال السنوات الماضية جزء من الريع النفطي لشراء السلم الاجتماعي، لكن تراجع ايراداته النفطية قد يدفعه لخفض الانفاق الاجتماعي ومراجعة منظومة الدعم.
ومن المتوقع أيضا أن يكون ملف التنمية والاستثمار في المناطق الداخلية بالعديد من المحافظات التي تعاني من التهميش، وتوصف بأنها جيوب للفقر وتشكو من تردي الخدمات الاجتماعية والصحية، من ضمن الأولويات التي سيحرص سلال على طرحها وسيطالب المحافظين برفع القيود عنها لتحريك المشاريع الصناعية، في ظل تذمر المستثمرين المحليين من الاجراءات البيروقراطية، وانعدام شفافية المناقصات الحكومية التي تتم على مستوى المحافظات.
وقالت المصادر، إن رئيس الوزراء سيلتقي على إثر استكمال تلك الاجتماعات بالقيادات النقابية وبأرباب العمل في تشرين الأول /أكتوبر بمدينة بسكرة لمناقشة قضايا متعلقة بالزيادات في الأجور والقرض الاستهلاكي وقانون العمل وغيرها.
ويحذر خبراء
اقتصاد جزائريون، من أن الأزمة الاقتصادية الراهنة تنذر بتفجر الجبهات الاجتماعية في وقت تكابر فيه الحكومة التي لاتزال تتمسك بتصريحات تسعى من خلالها لطمأنة المواطنين.
وطالب مصطفى بن بادة وزير التجارة الجزائري الأسبق، النظام بمصارحة شعبه بحقيقة الوضع الاقتصادي. وقال إن انخفاض أسعار النفط في الأسواق العالمية أثر بشكل كبير على وتيرة الإنفاق الحكومي.
وأشار إلى أن الحكومة لجأت إلى تجميد العديد من المشاريع المتعلقة بالخدمات من صحّة وسكن ومشاريع صناعية أيضا. ودعاها إلى ضرورة ايجاد حلول طويلة المدى من خلال تنويع اقتصادها عبر دعم القطاعات المنتجة وتشجيع الاستثمار، والقطاعات غير المستغلة مثل الزراعة والسياحة والصناعات التكنولوجية.
وحذّر من أن غياب تنويع مصادر الدخل واعتماد الدولة المفرط على النفط كمصدر وحيد لتغذية الموازنة يجعل الاقتصاد الجزائري عرضة لصدمات الأسعار. وأكد أن ذلك سيرتد سلبا على قدرة الوفاء بالالتزامات المالية وسيعرض البلاد إلى هزّات اجتماعية.
ويعتقد مراقبون، أن الجزائر ربما تواجه سيناريو شبيه بأزمة 1986 – 1987 التي بدأت بتقلبات سعر صرف الدولار وتراجع إيرادات البلاد النفطية بنحو 40 بالمائة.
وقالوا إن الاقتصاد الجزائري الذي يعتمد على نحو 97 بالمائة من الايرادات النفطية ظل بعد نحو ثلاثة عقود من تلك الأزمة على حاله، وأن الحكومات المتعاقبة لم تبحث خلال تلك الفترة عن حلول لتنويع الاقتصاد ولم توظف جزء من ايرادات الطاقة خاصة في ذروة ارتفاع الأسعار لخلق مصادر دخل من خارج القطاع النفطي.
واعتبروا أن الحكومات المتعاقبة لجأت إلى حلول ترقيعية منذ الأزمة الأولى لسدّ الثغرات ووظفت قسطا من الريع النفطي لشراء السلم الاجتماعي بدلا من توجيهه لتنمية فعلية، لكن انخفاض الأسعار منذ حزيران/ يونيو 2014 بأكثر من 50 بالمائة كشف هشاشة تلك السياسة التي قد تفتح أبواب الاضطرابات على مصراعيها.
وكان صندوق النقد الدولي قد حذّر من أن الجزائر أصبحت على حافة أزمة مالية حادّة، بعد تراجع احتياطاتها من النقد الأجنبي، ودعاها إلى مراجعة سياستها المالية، وتقليص نفقاتها العامة واتباع سياسة تقشف على ضوء تراجع ايراداتها من الطاقة.
ورسم الصندوق صورة قاتمة للاقتصاد الجزائري، مشيرا إلى أن الاحتياطي من العملة الصعبة تراجع بشكل مقلق، وهو ما أقرّ به البنك المركزي الجزائري .
وأظهرت بيانات رسمية نشرتها مصالح الجمارك الجزائرية، أن عجز الميزان التجاري بلغ في الشهرين الأولين من 2015 حوالي 1.7 مليار دولار، بينما كان قد سجل فائضا بنحو 1.8 مليار دولار في الفترة نفسها من 2014.
وتراجعت عائدات الجزائر من صادرات النفط والغاز بنحو 31 بالمائة في الربع الأول من 2015، بسبب انهيار أسعار البترول. وقال مركز الاحصاء التابع للجمارك، إن عائدات الطاقة انخفضت بنحو 5 مليارات دولار عما كانت عليه في الفترة نفسها من 2014 لتبلغ 10.6 مليار دولار.