قضايا وآراء

من يمتلك جماعة الإخوان المسلمين

1300x600
كنت أتوقف كثيرا خلال قراءتي لتاريخ جماعة الإخوان المسلمين عند حالات الانشقاق عن الجماعة، سواء قبل وفاة الأستاذ البنا أو بعد وفاته رحمه الله. بداية من انشقاق مجموعة شباب محمد عام 1939 وبعد ذلك انشقاق الأستاذ أحمد السكري عام 1947. ثم الانشقاقات التي حدثت بعد وفاة الأستاذ البنا، ومع بديات حركة الجيش عام 52.  ثم بدأت فترة المحنة وبدأت انشقاقات أخرى مثل خروج عدد من الإخوان نتيجة التأييد لحكم عبدالناصر.  ثم ما حدث بعد ذلك وانتشار فكرة التكفير وسط الإخوان في السجون نتيجة التعذيب الشديد من الحكم القائم. ثم مفاصلة هذه المجموعة للجماعة وتاسيس ما أطلق عليه بجماعة التكفير والهجرة. تلا ذلك خروج الإخوة الذين أرادوا تأسيس أحزاب سياسية في التسعينيات، مثل الإخوة في حزب الوسط وأخيرا انشقاقات ما بعد 25 يناير، مثل الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح والدكتور محمد حبيب وعدد آخرمن الإخوة. وقد كنت دائما أتسأل عن الأسباب المنطقية لهذه المفاصلة بين الجماعة وهؤلاء الإخوة، وبعضهم كان قد تربى في الجماعة وتدرج في هياكلها، حتى كان بعضهم أعضاء لمكتب الإرشاد وبعضهم كان نائبا للأستاذ المرشد. وكان يثارسؤال من يملك جماعة الإخوان المسلمين؟ وأقصد بالملكية هنا من المسؤول عن توجيه الجماعة عندما يحدث خلاف في الرأي، ومن الذي يحدد مسارها. هل هي القيادة وحدها أو الصف والأفراد وحدهما أو هما معا. 

إن ما يحدث الآن وما نشاهده ونسمعه ونقرأه يوميا حول مشهد الأزمة في جماعة الإخوان، قد فاق كل ما كان متوقعا. نعم المحنة شديدة، ولم يكن متوقعا أن تصل لهذا الحد ولكن كان من المفترض أن يكون التعامل مع هذه المحنة بالتآخي أكثر، وبالتعقل أكثر، والصبر والثبات أكثر وأكثر حتى يصل الجميع للعمل الذي يرضى عنه الله ورسوله. ولكن وصول المشهد إلى هذا الحد -خصوصا بدأنا نلمح خلافا فكريا - وجدت أن السؤال المطروح يتجدد وبشدة حول من يملك الجماعة ويحدد مسارها، هل هي القيادة ممثلة في مكتب الإرشاد و مجلس الشورى العام، أم إن الصف والأفراد الملتزمين بالجماعة هم من يملكون الجماعة؟ وإذا اتفقوا على مسار معين يكون هذا المسار هو توجه الجماعة الجديد. والبديل الثالث هو أن تتفق القيادة والصف ويجتمعا معا ويقومون بتوجيهها إلى الوجهة التي يريدون. هذه هي البدائل الطبيعية الثلاثة للإجابة على هذا السؤال. 

وأذكر أن هذا السؤال تم التفكير فيه بشكل ملح ومكثف منذ حوالي عشرين عاما تقريبا، عندما حدثت أزمة حزب الوسط وانشقاق الإخوة في الوسط عن الجماعة في منتصف التسعينيات. هذا الإلحاح جعلنا نبحث في تفاصيل تلك الحالات وتصنيفها ودراستها بعد تصنيفها. وكان الاهتمام بحالتين هما حالة انشقاق جماعة شباب محمد في بداية الدعوة عام 1939 ، وحالة مفاصلة مجموعة التكفيريين خلال فترة السجون الناصرية في الستينيات. باقي الحالات كانت عبارة عن انشقاقات فردية لعدم التزام هؤلاء الإخوة بما قررته الجماعة تجاه الشأن المختلف حوله، مثل عدم التقدم بتأسيس أحزاب خلال التسعينيات؛ لأن القانون المنظم كان معيبا أو مخالفة قرار الجماعة بعدم الترشح لمجلس الشعب أو رئاسة الجمهوريه وغير ذلك من اجتهادات خالفت رأي الجماعة المقرر في حينه.   

في حالة شباب محمد كان الاختلاف حول المنهج الذي يتبعه الأستاذ البنا، وذلك حسب ما تم نشره في مجلة النذير من الأستاذ محمود أبو زيد عثمان والأستاذ محمد عطيه خميس، وكانت أهم أسباب الانشقاق والمفاصلة، أن منهج الإخوان يعمل تحت لواء العاملين بغير ما أنزل الله، ويسعون إلى التغيير المتدرج الإصلاحي، وهم كانوا يرون أنه لا سبيل لتحقيق الحكم الإسلامي وإقامة شرع الله، سوى بالتشدد و التعصب للإسلام ، بمعنى عدم المهادنة أو اللين و كذلك استخدام الجهاد المسلح. أما الإخوة الذين تبنوا فكرة التكفير وانشقوا عن الجماعة في النصف الثاني من الستينيات، فالواضح أنهم حاولوا التغيير في الفكرة الأساسية للجماعة كما أطلقها الأستاذ البنا. وذلك من خلال وصمهم للمجتمع بالكفر وأنهم الفرقة الوحيدة الناجية، وأنهم جماعة المسلمين. وهذا كما ذكرت مخالفة للفكرة الأساسية لجماعة الإخوان المسلمين واعتبارهم للمجتمع بأنه مسلم وليس مجتمعا كافرا، كما أن جماعة الإخوان هي إحدى الجماعات العاملة على الساحة الإسلامية وليست جماعة المسلمين. 

وقد تركز التساؤل المطروح حول هاتين الحالتين، وخصوصا الحالة الثانية وهي فتنة التكفير لأن الحالة الأولى كانت في حياة الأستاذ البنا رحمه الله، ومع أن مجموعة شباب محمد أثارت عدم أخذ الأستاذ البنا بالشورى، وهي أصل إسلامي، ولكنه رحمه الله لم يبال بهذا الاتهام والتزم بالمنهج لأنه كما يراه هو منهج الرسول المصطفى صلي الله عليه وسلم.  وقد تم التفكير في حالة فتنة التكفير بشيء من التفصيل؛ لأنها كانت الأكثر إلحاحا في البحث عن إجابة. كان السؤال المباشر هو هل من حق القيادة أن تفصل عددا من الافراد والإخوة من الجماعة، مثل اللذين اعتنقوا فكر التكفير للاختلاف حول الفكرة ومنهجية العمل؟ وهل لو كان أغلبية الأفراد أو كان الصف كله متجها هذا الاتجاه، هل كانت القيادة ستقوم بفصلهم جميعا؟ والسؤال الثالث الذي تم افتراضه، هو هل لو كانت القيادة والأفراد معا وافقوا على هذا التوجهه  كاعنماد فكرة التكفير مثلا، فهل كان من حقهم أن يوجهوا الجماعة هذا المسار؟

وقد قمت بمناقشة بعض من كبار الإخوان وبعض المفكرين الإسلاميين القريبين من الجماعة حول هذه الأسئلة. وهذا النقاش امتد لحوارات عده وتبادل لوجهات النظر. وفي النهاية كانت إجابة السؤال الأساسي: إن الذي يملك جماعة الإخوان المسلمين هو منهجها وفكرها الذي اختاره ووضعه الإمام حسن البنا رحمه الله. وحتى الإجابة على السؤال الافتراضي الثالث وهو هل لو اتفقت القيادة مع الأفراد والصف على توجه معين يخالف المنهج والفكرة، هل من حقهم السير بالجماعة إلى هذه الوجهة؟ فكانت الإجابة بلا. وذلك لأن الفكرة والمنهج هما أساس العمل الجماعي، أما الآليات والأدوات فهى بلا شك متغيره حسب الزمان والمكان. وكانت هذه الإجابة مبنيه باختصار على أساس أن الجميع قيادة ومرشدا وصفا بايعوا هذه الجماعة على فكرة محددة ومنهج محدد اختارهما البنا رحمه الله، وذلك في العالم أجمع. فلا يجوز لأحد الآن أن يغير في هذه الفكرة، أو في هذا المنهج ويدعي ويقول إنه من الإخوان المسلمين. وهذا ليس حجرا على التفكير والإبداع فالإسلام أكبر من جماعة الإخوان المسلمين، وكل الجماعات الإسلامية الموجودة على الساحة، ويمكن لأي فرد قيادة كان أو صفا أن يمتلك فكرة مبدعة ويختار منهجا متميزا لخدمة الإسلام ويدعو لها، ولكنها ليست الإخوان المسلمين. 

وحتى نحقق هذا الشكل المفروض والنموذجي لحركة الإخوان والمحافظة عليها لأن الجميع قيادة وصفا مسؤولون عن استمرارها بهذا المنهج وهذه الفكرة. لذلك فالجميع سواء من القيادة أو من الصف مطالب أن يراجع نفسه ويزن عمله ورأية ومنهجه على هذه الفكرة الأساسية، وهذا المنهج الذي اختاره الإمام البنا، والذي بينَهما في كتاباته وحركته في مراحل تاسيس الجماعة المختلفة.

واذا كان هناك ثمة اختلاف فليتم مناقشته بهدوء وبعيدا عن الضجيج الإعلامي لتبين أي المسارات ملتزم بالفكرة والمنهج، ولا غضاضة من وقوع البعض في الخطأ، المهم هو عدم التمادي فيه. وذلك من خلال مراجعة هذه الفكرة وذلك المنهج والإبداع في تطبيقهما من خلال رؤية واضحة المعالم وصورة ترسم بعناية، يرى كل فرد من أفراد الجماعة نفسه في هذه الصورة، ويكون متفهما مطمئنا متيقنا مقتنعا أن هذه الرؤية، وتلك الصورة تعمل على تحقيق الفكرة ونسير على المنهج نفسه. ورحم الله البنا عندما قال أركان بيعتنا عشرة أولها الفهم.  وختاما أدعو الله عز وجل أن يوفقنا جميعا لما فيه الخير للإسلام وللأمة والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته