في مثل هذا اليوم، قبل عامين، استيقظ أهالي غوطتي دمشق فجرا على
مجزرة مروعة، راح ضحيتها وفق الأرقام الموثقة 1078 مدنيا، وأكثر من 7000 آخرين أصيبوا بحالات اختناق جراء قصف قوات النظام مدن وبلدات عديدة في ريف دمشق بالغازات السامة، وتبين لاحقا أن الغاز المستخدم هو "غاز السارين" المحظور دوليا.
وفي ذكرى المجزرة الثانية، التقت "
عربي21" بنشطاء وناجين من المجزرة، حيث تحدثوا عن مشاهداتهم والأجواء التي رافقت الهجوم بالأسلحة
الكيماوية.
الناشط الإعلامي محمد أبو كمال، من مكتب حموريه الإعلامي والمكتب الإعلامي الموحد، هو واحد من شهود العيان على المجزرة. ويقول لـ"
عربي21": "قرابة الساعة الثانية صباحا بدأت فرق الإسعاف والدفاع المدني والأهالي بإسعاف مصابين جراء هذا القصف؛ إلى نقاط طبية في محيط مدينة زملكا ابتداء من حموريه وكفربطنا، وحتى مدينة دوما" في
الغوطة الشرقية.
ويضيف: "اتجهنا إلى أول نقطة طبية كان هناك حوالي 25 إصابة، وبدأت أنا بعملي التوثيقي إلى جانب الإسعافي، وما هي إلا أقل من ساعة حتى غصت المشفى بالمصابين الذين قدم معظمهم بثياب النوم".
ويوضح أبو كمال لـ"
عربي21"؛ أن "معظم الأعراض كانت اختلاجات ونوبات هيستيرية"، مستدركا: "لست بطبيب.. لو أصفها فالمناظر تشيب له شعر الولدان".
ويقول الناشط: "لم أعد أحتمل بشاعة هذه المناظر المؤلمة، فقمت بإخفاء كاميرتي بحقيبتي وخرجت مع زميل لي لمساعدة المسعفين، بعد أن علمنا أن هناك المئات من الإصابات في زملكا وعين ترما".
ويتابع الشاهد على مجزرة الكيماوي: "في الطريق إلى زملكا كنا نرى سيارات محطمة بالجدران وبسيارات أخرى من اليمين واليسار، لنكتشف أن السائق قد مات على مقوده وهو يسعف عائلته، كما أصيب مسعفون وإعلاميون.. مات معظم من اقترب من بؤرة الغاز في المنطقة".
ويؤكد أن أكثر من عشرة صواريخ محملة برؤوس كيماوية سقطت في زملكا، وثلاثة سقطت في عين ترما، إضافة إلى صواريخ أخرى في البلدات المجاورة، وجميعها قصفت من تمركزات قوات النظام في جبل قاسيون ومركز البحوث العلمية، بحسب الناشط.
ويروي أبو كمال أن "كل المشافي غصت بالإصابات، وكان الممرض بيده أبره "أتروبين" قد تنقذ روحا، ولكن لا يعرف أي روح يختار، فهو ليس من يضع للناس الأقدار.. الأطفال كانوا أول الموتى بسبب ضعف مقاومة أجسامهم، كذلك النساء".
وبسبب غياب العلاجات الكافية، فقد "استخدم الأطباء البصل والخل والكولا، مع أنهم يعلمون أنها لن تجدي الكثير من النفع"، فيما نفدت أسطوانات الأكسجين المنافس، وأصبح "علاج الحالات أصبح تقديريا للحالة هل من الممكن أن تعيش أم لا".
ويضيف أبو كمال وصوت غرغرة الدموع قد غلبت على صوته: "ليلة تاريخية، لا أعتقد أنني أستطيع نسيانها مهما حييت.. في الساعة الثامنة بدأنا بجمع الجثث لدفنها، ووضعناها في مستودع كبير، ووضعنا على رأس كل شهيد رقما، وأخذنا له صورة ليتعرف عليه إن بقي أحد من أقاربه".
عائلات كاملة قضت
ويقول أحد شهود العيان على المجزرة؛ إن "من بين أكثر الحالات والقصص التي آلمتني أكثر من غيرها، هو أنني صادفت طفلا واحدا وعمره 15 عاما من عائلة كاملة أصبحت جثثا هامدة". ويتابع: "قد يكون مصير هذا الطفل قد جعله يعيش ألم دفن عائلته، لكن هناك الكثير من العائلات لم يبق منها أحد ليعيش ألم فقدان أقاربه".
ويشير الناشط أبو كمال إلى أنه استطاع وبعد عناء أسبوع من البحث بين الصور وتدقيقها وعرضها على الناجين من المجزرة؛ أن يوثق "400 شهيد دفنوا في مقبرة بلدة حموريه لوحدها في قبور جماعية"، فيما يؤكد أن التوثيقات النهائية للمجزرة الأكبر في تاريخ الثورة السورية، قد تتجاوز الـ 1400 شهيد بين الموثقين وبين الذين لم يتم التعرف على هوياتهم".
ويلفت أبو كمال إلى أن بعض المصابين ممن نجوا من المجزرة بقوا أكثر من ثلاثة أشهر حتى تعافوا، فيما بقيت عدة حالات تعاني من خلجات، وبعض المصابين توفي لاحقا.
ولادات مشوهة
وبعد عامين على المجزرة، ما زال تأثير القصف بالغازات الكيماوية حتى الآن، حيث وثق ولادة أطفال مشوهين في عدة مناطق.
ويقول أحد الأطباء ممن عايشوا المجزرة في بلدة معضمية الشام: إن "عدد الحالات الموثقة الكلية للولادات المشوهة في معضمية الشام 15 حالة، توفي منها عشرة، والباقي على قيد الحياة، لكن فرص البقاء على قيد الحياة قليلة، وهي بحاجة إلى رعاية طبية فائقة، لا تستطيع المشافي الميدانية عليها في ظل ضعف الإمكانيات والكوادر المختصة"، حسب قوله لـ"
عربي21".
ضحايا الدفاع المدني
ويقول رائد الصالح، مدير الدفاع المدني في إدلب وريفها، لـ"
عربي21": "في ذكرى مجزرة الكيماوي فقدنا من رجال الدفاع المدني تسعة أشخاص وهم يقومون بواجبهم الإنساني، مع تخاذل المجتمع الدولي والصمت المخزي (حيث) لم ينطق كلمة مجازر أو إبادة على كل المجازر التي تحصل في
سوريا".
حقوق الإنسان
بدوره، يقول مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فضل عبد الغني: "لم نعلم نظاما حاكما في العصر الحديث أهان مجلس الأمن والقانون الدولي الإنساني كما فعل النظام السوري، وبدرجة عالية من الوقاحة والجرأة، وتحديدا في استخدام الغازات السامة".
وأضاف عبد الغني لـ"
عربي21": ما زال الأهالي في غوطتي دمشق ينتظرون اللحظة التي سيرون فيها المجرمين المسؤولين عن قتل أبنائهم، وقد حكم عليهم وأخذوا جزائهم العادل".
وبعد عامين على مجزرة الكيماوي في ريف دمشق، يتساءل ناشطون وحقوقيون وأهالي من قضوا في تلك المجزرة عن غياب "الضمير الإنساني العالمي"، في ظل "غض الطرف عن كل هذه المجازر المروعة في سوريا"، فيما لا يزال النظام السوري "ليس فقط بدون محاسبة، وإنما ما زال يرتكب المجازر واحدة تلو الأخرى، بما في ذلك الغازات السامة".