ملفات وتقارير

الحملة الأخيرة على الزبداني تشرد ألف عائلة وتدمر ثلث البلدة

الزبداني تتعرض لحصار حاد من قبل قوات النظام منذ 2012 - أرشيفية
لعل المشهد اليوم بات أكثر وضوحا في الزبداني بعد بدء المفاوضات بين أطراف من إيران ومليشيا حزب الله اللبناني من جهة، وحركة أحرار الشام في الزبداني من جهة ثانية، على مصير البلدة التي ما تزال تتعرض إلى حملة عسكرية كبيرة، تشترك فيها قوات النظام إلى جانب مليشيا حزب الله اللبناني ومليشيا أحمد جبريل الموالية.

وحسب شبكة أحرار الزبداني الإعلامية، فقد قام المجلس المحلي والمدنيين المحاصرين في الزبداني بتفويض حركة الشام الإسلامية بالتفاوض، الذي ما كان ليحصل لولا قيام جيش الفتح في الشمال السوري بمحاصرة قريتي الفوعة وكفريا الشيعيتين بريف إدلب وقصفهما بالصواريخ.
 
وقد أتت هذه المفاوضات بين حركة أحرار الشام والإيرانيين واللبنانيين بمثابة فضيحة كبرى لنظام الأسد، وكأن كلا من الزبداني وكفريا والفوعة أراض غير سورية، وإنما لبنانية وإيرانية، ولا عجب في ذلك، فقبل أيام فقط تحدث رأس النظام السوري بشار الأسد بخطاب له أن "سوريا ليست لمن يحمل جنسيتها أو جواز سفرها، وإنما لمن يدافع عنها".

أوضاع إنسانية صعبة

وذكر الناشط الإعلامي من الزبداني علاء التيناوي أن العمليات العسكرية والقصف المستمر منذ شهر أدى إلى تدمير نحو ثلث الزبداني وشرد نحو ألف عائلة، فيما لا تزال ألف عائلة أخرى تعيش في الزبداني أوضاعا إنسانية وصحية مأساوية، خاصة أن قوات النظام وحلفائه يحاصرون الزبداني من كل اتجاه، ويمنعون أهلها من النزوح إلى القرى المجاورة، ويمنعون إدخال المواد الطبية والغذائية إليها.

وأضاف التيناوي أن الزبداني قدمت إلى الآن أكثر من 70 قتيلا دفاعا عنها، وفيها أكثر من ألف مقاتل يدافع عنها، ولا توجد أي جهة عسكرية معارضة من خارج الزبداني تقاتل فيها، سوى بعض رجال منطقة الوادي المجاورة، وقد سقط منهم عدد من القتلى كذلك.
 
وتؤكد شبكة أحرار الزبداني الإعلامية أن الوضع الإنساني يرثى له، فالزبداني تتعرض لحصار وقصف منذ شباط 2012، وتعاني من نقص حاد في المواد الغذائية والطبية؛ بسبب الحصار الخانق الذي فرضته قوات النظام، وزاد الأمر صعوبة خصوصا "بعد هذه الحملة البربرية الهمجية التي لم تبق حجرا ولا بشرا"، على حد وصف الشبكة.

وأضاف المصدر أن هناك سياسة ممنهجة لقتل أهالي الزبداني يعتمدها النظام في الأيام الأخيرة، وهي تهجير سكان الزبداني في المناطق المجاورة كبلودان، ومنطقة الإنشاءات، والمعمورة، بعد توجيه نداءات في مآذن المساجد بتلك المناطق بوجوب توجههم (النازحين من أهل الزبداني) إلى بلدتي بقين ومضايا المكتظتين بالمدنيين، واللتين تتعرضان إلى قصف بالبراميل المتفجرة، والغاية زعزعة صمود مقاتلي الزبداني وتركيعهم، مستطردة أن مجاهدي الزبداني "صامدون، ولا بديل لهم عن الصمود إلا الشهادة"، بحسب تعبيرها.
 
ملف المفاوضات

وكشفت المفاوضات بين مقاتلي الزبداني ممثلين بحركة أحرار الشام وأطراف إيرانية ولبنانية عن تواطؤ المجتمع الدولي ضد أهل الزبداني، بحسب وصف بعضهم، الذي لم يطالب بوقف الأعمال العسكرية بالزبداني، إلا في الأيام القليلة الماضية، أي بعد بدء جيش الفتح في شمال سوريا بقصف قريتي كفريا والفوعا الشيعيتين في إدلب.

وأعرب المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا، في بيان صادر عن مكتب الأم المتحدة في جنيف، مساء الثلاثاء، في 22 تموز/ يوليو، أي بعد 20 يوما من بدء العمليات القتالية في الزبداني، عن "قلقه العميق"، للقصف المكثف الذي تتعرض له بلدة الزبداني في ريف دمشق بالبراميل المتفجرة.
 
وجاء في البيان أن استخدام البراميل المتفجرة تسببت بدمار كبير ومقتل الكثير من المدنيين، مشيرا إلى أنَّ استخدام قوات المعارضة للصواريخ وقذائف الهاون في قصف بلدتي فوعا وكفريا في محافظة إدلب عرّض المدنيين للخطر.

ومن جهة ثانية، فقد اعتبر الناشط الإعلامي التيناوي أن الآلة الإعلامية للنظام وحلفائه تضخّم كثيرا من معركة الزبداني لصناعة نصر كبير من ورق، وهذا بالطبع في حال سقطت الزبداني، لتعويض الهزائم الكثيرة التي يتعرض لها مع حلفائه في معظم أرجاء الأرض السورية، خصوصا في الشمال والجنوب.

وقال التيناوي إن "جميع القرى والبلدات المجاورة للزبداني هي إما محتلة من قبل قوات النظام ومليشيا حزب الله، أو مهادنة، كما هو الحال في قرى وادي بردى"، مؤكدا أنّ صمود الزبداني سيكون رسالة واضحة للجميع مفادها أن "أرض سوريا ستكون شوكة بحلق الأسد ومليشياته، ولن نسمح باحتلال سوريا من قبل إيران الفارسية"، بحسب وصفه.
 
يأتي ذلك، فيما ذكرت شبكة "أحرار الزبداني الإعلامية"، المعارضة، أنه "رغم أن معركة الزبداني ستشكل نقطة تحول في الثورة السورية فيما لو سقطت، إلا أن ذلك لن يغير الواقع الذي يقول إن الثورة مستمرة، وإن النظام بات يلفظ أنفاسه الأخيرة"، مشيرة إلى انتصارات جيش الفتح في الشمال، وانتصارات الفصائل في الجنوب، مضيفة أن "الزبداني مستمرة في الصمود، ولن تكون لقمة سائغة لحزب الله وإيران"، بحسب تعبيرها.

وذكرت مصادر إعلامية، نقلا عن مصدر سوري مطلع على المفاوضات في واشنطن، أن الحديث يدور ما بين "وسطاء" والأمم المتحدة، ممثلة بمكتب دي ميستورا في نيويورك، إضافة لحضور إيراني، عن إخلاء مدينة الزبداني من المقاتلين، مقابل إخلاء بلدتي الفوعة وكفريا المدعومتين إيرانيا من المقاتلين أيضا، ليصير بعدها وقف لإطلاق النار بين قوات المعارضة والنظام. 

ويتخوف أهالي الزبداني من موضوع إخلاء المقاتلين، ما يعني دخول مليشيا حزب الله اللبناني إلى المدينة، لتصير المدينة تحت هيمنة هذه المليشيا، كما حصل في مدينة القصير منتصف 2013.

وكشفت مصادر إعلامية أيضا أن لجنة تفاوض مكلفة من قبل ثوار الزبداني قد أرسلت طروحات لمكتب دي ميستورا في نيويورك، إضافة إلى حديثها مع مكتبه في دمشق، وأثارت نقاطا عدة ردا على النظام، تضمنت "وقف فوري لإطلاق النار دون قيد أو شرط في كامل المدينة" على أن "يشكل مجلس محلي مؤلف من عشرة أعضاء من الطرفين مناصفة ومن أهالي المدينة" في إدارة شؤون الزبداني، وأن يقوم المجلس بتشكيل قوة تنفيذية لحفظ الأمن في المدينة، كما يتم بحث موضوع السلاح الثقيل وجمعه، وأن يبحث أيضا مع ملف المعتقلين، وإصدار عفو خاص عن كافة المطلوبين من كلا الطرفين، إضافة إلى إدخال المواد التموينية والمحروقات ومواد البناء.

وتبعد الزبداني عن العاصمة دمشق 40 كم غربا، وهي منطقة استراتيجية مهمة لنظام الأسد ومليشيا حزب الله، ومن ورائهما إيران؛ لأنها محاذية للأراضي اللبنانية الحدودية، وقريبة من طريق بيروت دمشق الدولي، وقريبة من نقطة المصنع الحدودية والقرى الشيعية اللبنانية، وتشكل منطقة الزبداني بشكل عام الشريان الحيوي بين نظام الأسد وحزب الله اللبناني الشيعي عسكريا ولوجستيا.