تبرعات الحرب تدر آلاف الدولارات على قادة الحشد الشعبي

على الرغم من تخصيص مجلس الوزراء العراقي لميزانية مالية متكاملة خاصة بمليشيا الحشد الشعبي المؤلفة من فصائل مسلحة تتبع للأحزاب الشيعية؛ إلا أن مصادر متواترة تؤكد استمرار جباية التبرعات المالية لهم وبشكل شهري وبمبالغ كبيرة جدا، يتم فرضها على كبار رجال الأعمال، والتجار، وأصحاب المشاريع المتوسطة في العاصمة بغداد، والمحافظات الجنوبية.

وتتقاسم المليشيات الشيعية السيطرة على المراكز التجارية الكبرى في العاصمة العراقية، ففي الوقت الذي يفرض فصيل "عصائب أهل الحق" التابع لقيس الخزعلي هيمنته على سوق الشورجة في بغداد فإن "سرايا السلام" بزعامة مقتدى الصدر تتحكم بسوق جميلة الخاص بالمواد الغذائية، في حين تسيطر "منظمة بدر" بقيادة عمار الحكيم، وهادي العامري على معظم تجارة الأجهزة الكهربائية، والأدوات المنزلية في السوق المتخصص بها بمنطقة الكرادة.
 
وفي هذا الصدد قال مدير أعمال أحد كبار التجار في سوق الشورجة  في حديث لـ"عربي 21" -شريطة عدم الإشارة إلى هويته-، إن "مفرزة جباية الأموال حددت يوم 28 من كل شهر لزيارتهم في مكتبهم وتحصيل مبلغ التبرعات الذي بدأ بعشرة ملايين دينار عراقي قبل سنة، ووصل الآن إلى 150 مليون".

ويضيف المتحدث أن "اللجنة المكلفة بجباية التبرعات تقوم بدراسة مسبقة تشمل حجم الأنشطة التجارية التي نمارسها والمبالغ التي نحصل عليها، وفي ضوء هذه المعلومات يتم تحديد المبلغ المفروض على كل رجل أعمال أو شركة".

ويؤكد الوكيل أن "هذه  العملية الضخمة تتم بعلم كامل من الشرطة وجميع الأجهزة الأمنية وغيرها من المؤسسات الحكومية التي لا يستطيع أي طرف فيها إبداء اعتراضه"، مضيفا بأن "التجار الذين يقدمون أعلى المبالغ من التبرعات يحصلون بالمقابل على تسهيلات كثيرة، وأبسطها الحق الحصري في توريد بضائعهم إلى المؤسسات الحكومية، فضلا عن احتكار عملية استيراد أنواع معينة السلع ذات الطلب العالي في السوق المحلي".

ويشدد المتحدث على أن معرفة مجموع المبالغ التي يتم جبايتها في سوق الشورجة يعد أمرا صعبا جدا بسبب كثرة التجار والشركات العاملة فيه، بالإضافة إلى تباين المبالغ المتحصلة منها، ولكنه متأكد بأن المجموع لن يقل عن 100 مليون دولار على أبسط التقديرات.
 
وفي سوق جميلة شرقي بغداد، يتكرر المشهد ذاته مع مفرزة جباية يتزعمها رجل دين معمم يرافقه عدد من المسلحين الذين يتولون مهمتي الحماية ونقل المبالغ النقدية التي تعد الصيغة الوحيدة المقبولة، ولا يتم التعامل أبدا بالشيكات أوالحوالات المالية، وهي شروط يعلمها جميع التجار بحكم التعامل القديم بينهم وبين المفارز التي كانت تجبي الأموال سابقا باسم "جيش المهدي"، وأصبحت الآن تقوم العمل نفسه، ولكن لـ"سرايا السلام" وهو الاسم الأحدث للفصيل المسلح التابع لرجل الدين الشيعي مقتدى الصدر.

وتعد المبالغ المرتفعة هي الفارق الوحيد في عملية جمع التبرعات التي تجري في المركز التجاري لحي الكرادة الراقي ببغداد؛ لأن أغلب شاغلي السوق هم من كبار رجال الأعمال والشركات ذات الفروع المنتشرة في دول العالم، فيما تشير مصادر عاملة في السوق أن أي طرف لم يتم استثنائه من عملية الجباية التي شملت حتى محلات بيع المثلجات وصغار المضاربين بالعملة.

وفي الوقت الذي تكون عملية جباية الأموال سهلة في الأسواق التجارية المقسمة بين قادة المليشيات المسلحة ولاتشوبها أي مشكلة؛ فإن خلافات تحصل بشكل متكرر بشأن عائدات التبرع للحشد الشعبي التي يتم تحصيلها بمدينتي كربلاء والنجف جنوب العراق، والتي تم تثبيت عدد كبير من الصناديق المخصصة لهذا الغرض في العتبات الدينية.
 
يذكر أن الإعلان الأساسي عن تشكيل مليشيا الحشد الشعبي في حزيران/ يونيو من العام الماضي لم يشر إلى موضوع التمويل الذي تم تخصيصه لاحقا بموازنة مستقلة لرواتب المقاتلين يتم استقطاعها من مخصصات وزارتي الداخلية والدفاع لتجهيز المليشيا بجميع أنواع الأسلحة والذخائر والمعدات الحربية.