تساءل المحلل
الإسرائيلي تسفي برئيل في معرض حديثه عن
الاتفاق النووي الإيراني مع الدول الكبرى، عما إذا كان هذا الاتفاق مقدمة لعلاقات جديدة بين إيران والغرب، أم أنه ليس أكثر من مجرد اتفاق تقني، وأوامر استخدام لا يرافقها حلم مستقبلي.
وتابع برئيل التساؤل في مقالته بصحيفة "هآرتس" الأربعاء، بالقول: هل تتحول إيران من الآن إلى شريكة شرعية في إدارة الصراعات الإقليمية والدولية، أم أنها ستستمر كعدو يحاول السيطرة على الشرق الأوسط؟ هل يمنح الاتفاق دفعة للإصلاحيين والليبراليين في إيران الذين سيعتبرونه إنجازا لممثلهم الرئيس حسن روحاني، أم أنه سيعزز تصميم النظام على رؤية الاتفاق برهانا على صمود وقوة روح الثورة؟
وأشار إلى مجموعة من الانتصارات التي حققتها إيران بتوقيع الاتفاق النووي، أولها تمثل في "كسر الطابو"، حيث إنه لأول مرة منذ الثورة تجري الولايات المتحدة وإيران مفاوضات مباشرة يعتبرونها في إيران مفاوضات بين طرفين متساويين وليس من موقع ضعف أو فرض.
ونوه إلى أن إيران شكلت تهديدا حتى في ظل العقوبات، والخيار العسكري لم يكن واقعيا، بالذات بسبب التأثيرات الدولية والإقليمية المقرونة بهذا الخيار، بما في ذلك إمكانية دخول روسيا إلى حرب كهذه.
واستدرك بالقول إن نسب نجاح المفاوضات للضغط الدولي دون الإشارة إلى القرار الاستراتيجي الذي اتخذته إيران، سيكون خاطئا وغير مفيد.
وشدد برئيل على أن مجرد وجود مفاوضات مع إيران والتوقيع على الاتفاق، جعل إيران تحقق أكثر مما ستحققه قدرتها النووية. لقد تحولت إلى قوة عظمى إقليمية متساوية مع الدول العربية التي هي مرفأ الغرب في الشرق الأوسط.
ونوه إلى أنه ومنذ بداية المفاوضات قبل سنتين، فإن إيران تضع حدود تأثير جديدة غير مقيدة ليس فقط للدول المتصارعة مثل سوريا والعراق واليمن، بل أيضا في الساحة الدولية.
وتابع بالقول إن أحد الإنجازات الإضافية التي نجحت في الحصول عليها إيران إحداث الشرخ بين إسرائيل وبين الإدارة الأمريكية في ما يتعلق بالسلاح النووي وإبعاد التهديد العسكري الإسرائيلي عنها. وقد خلّص الاتفاق إيران من صورتها كدولة غير عقلانية تقاد من قبل رجال دين مهمين، وبالتالي فإنه لا حاجة إلى إجراء مفاوضات أو توقيع اتفاق مع دولة كهذه.
وختم برئيل مقاله بالقول إن من يبحث عن العقلانية الأيديولوجية في دوافع إيران للتوقيع على الاتفاق يستطيع أن يجد ذلك في كون الاتفاق سيثبت بحسب وجهة نظر إيران أن الثورة الإسلامية، تهديد الإسلام السني والغرب، حظيت بالشرعية والاعتراف الدولي، وأيضا بالبقاء، حيث إنه منذ الآن فصاعدا فإن مصير الاتفاق يرتبط بالنظام الثوري. إن هذا ليس شيئا قليلا بالنسبة لنظام يعيش حتى الآن في مخبأ تحت أرضي، على حد وصفه.
دعوات للتعامل مع الاتفاق كأمر واقع
من جهته، دعا المحلل العسكري لصحيفة "هآرتس" عاموس هرئيل، إلى التعامل مع الاتفاق النووي بين إيران وأمريكا بكل واقعية مهما كان فيه من إشكالات، إذ إن الهجوم العسكري الإسرائيلي على إيران لم يعد سيناريو محتملا.
وأوضح هرئيل وجهة نظره حول الاتفاق بضرب مثال قال فيه: من خلال متابعة النقاشات في المرحلة الأخيرة من المفاوضات، يظهر الاشتباه بأن البقرة (الولايات المتحدة) أرادت أن ترضع العجل أكثر مما يريد (إيران). يتضح أن تحقيق الاتفاق كان هدفا إيرانيا، لكن على طول الطريق ظهر التردد الأيديولوجي المبدئي للزعيم الروحي علي خامنئي، الزعيم الكهل الذي خشي من أن يكون رفع العقوبات إضافة إلى إنقاذ الاقتصاد الإيراني، سيفتح بلاده على الغرب، الأمر الذي سيمكن الأمريكيين من قطف الثمار، وبالتالي فقد يتغير بالتدريج، تحت الضغط الشعبي، وجه النظام. والاستعداد للتوقيع على الاتفاق رغم التردد ورغم خطاب الخطوط الحمراء يثبت أن الصفقة كانت جيدة بدرجة لا يستطيع الإيرانيون التنازل عنها.
ووصف الاتفاق بين القوى العظمى وإيران بأنه الحدث الأهم في المنطقة منذ بدأ الانهيار في العالم العربي قبل أربع سنوات ونصف، وتصل البشرى إلى الشرق الأوسط وهو مقطع الأوصال من حروب ذات طابع ديني واضح (الشرخ بين الشيعة والسنة) حيث تلعب إيران دورا مركزيا في ذلك.
وتابع بالقول: "دول سنية تخاف من إيران وتطلب الحفاظ على دورها في المنطقة، مثل السعودية ومصر وتركيا، من شأنها أن تخوض سباق تسلح بهدف تحقيق مكانة دولة على شفا الذرة، على ضوء تخوفها من أن إيران ستخدع الغرب مرة أخرى وتجد طريقة لتجاوز الاتفاق".
ونوه إلى أن الأموال التي ستضخ في الاقتصاد الإيراني على ضوء رفع العقوبات، من شأنها أن تساعد في زيادة المصادر لنظام الأسد في سوريا وحزب الله في لبنان والمتمردين الحوثيين في اليمن.
إن التلميحات من واشنطن في السنة الأخيرة تشير إلى أن إدارة أوباما تسعى إلى تعاون الأطراف، مثل الصراع ضد تنظيم الدولة في العراق.
وقال هرئيل: إن الأزمة الخطيرة في علاقات الولايات المتحدة – إسرائيل التي في مركزها العلاقات الشخصية المتوترة بين رئيس الحكومة نتنياهو والرئيس براك أوباما، تركت نتنياهو في مكانة تأثيره فيها هامشي في المراحل الأخيرة من المفاوضات. الآن وبعيدا عن الانتقاد العلني الذي سيوجهه رئيس الحكومة للرئيس الأمريكي، فإنه يتوقع أن يبدأ الصراع في الكونغرس، بمحاولة نتنياهو تقييد أوباما عن طريق إفشال الوعد الأمريكي برفع العقوبات التي فرضها الكونغرس على إيران. ورغم التشجيع الذي يحظى به رئيس الحكومة عند الجمهوريين، ورغم حقيقة أن تأجيل التوقيع على الاتفاق في فيينا قد أطال فترة المصادقة في الكونغرس إلى شهرين، فإن نجاح نتنياهو يرتبط بقدرته على نقل 13 سيناتورا ديمقراطيا إلى المعسكر المعارض للرئيس. واحتمال ذلك غير كبير في هذه المرحلة، رغم الثغرات الكثيرة في الاتفاق.
وأكد أن الهجوم الإسرائيلي على منشآت السلاح النووي الإيراني، لم يعد جزءا من سيناريو واقعي، وإذا نجح أوباما في الكونغرس فسنبقى مع الحقائق الأساسية: إيران ستبقى قوة عظمى إقليمية، ذات تأثير سيئ، لكن دون قدرات نووية عسكرية في هذه المرحلة. والرد الإسرائيلي على هذا التهديد يرتبط بتقوية العلاقات مع الولايات المتحدة وتحسين قدرة الجيش الإسرائيلي وتعزيز تحالف المصالح مع الدول السنية المعتدلة في المنطقة. هذه صورة مركبة لكنها ليست بالضرورة أسود من السواد.