تعيش غوطة دمشق أوضاعا استثنائية هذه الأيام، عقب خروج مظاهرات في مناطق مختلفة، تراوحت مطالبها بين الإفراج عن المعتقلين، وخفض الأسعار، ومحاسبة التجار والقادة، والدعوة لتحريك الجبهات، ووقف الاعتقالات العشوائية والتدخل بالشؤون المدنية.
وكان من جملة الأحداث التي تخللت هذه الأوضاع؛ استقالة القاضي العام في غوطة دمشق الشرقية خالد طفور (أبو سليمان)، الذي كان قد تقدم باستقالته في وقت سابق لكنها رفضت.
ورفض طفور الكشف عن أسباب استقالته مجددا، لكن مصادر متطابقة من
الغوطة أرجعت أسباب استقالة القاضي إلى التجاوزات المتكررة المرتكبة من الفصائل العسكرية، بالإضافة إلى زيادة الاحتقان بسبب تغييب عدد كبير من المعتقلين، خاصة في قضية جيش الأمة التي وعد
جيش الإسلام بالإفراج عن دفعة كبيرة منهم لكنه لم يقم بذلك حتى الآن.
وعلى أثر استقالة القاضي العام، سارعت
القيادة الموحدة في الغوطة إلى عقد اجتماع تباحثت فيه في أسباب الاستقالة، وخرجت بعدة قرارات تمنى كثيرون تنفيذها على أرض الواقع بأسرع وقت ممكن. ومن ضمن ما نتج عن هذا الاجتماع التعهد بعدم اعتقال أي شخص إلا بعد الرجوع إلى
القضاء.
وطالب الاجتماع المجلس القضائي بتحديد ضوابط القضايا الأمنية بين القضاء والقيادة، وقرر في هذا الاجتماع إنشاء مكتب خاص بالقضايا الأمنية تحت إمرة قضاة مختصين للتنسيق مع العسكريين، كما طالب الاجتماع بوقف التعاطي مع الإعلام بشكل سلبي من قبل جميع الأطراف لـ"منع الساعين إلى بث الخلاف وتشتيت الصفوف من تحقيق مبتغاهم".
ولم تكن هذه المرة الأولى التي يستقيل فيها قاض في الغوطة الشرقية، فالشيخ أبو سليمان نفسه قدم استقالته في وقت سابق، بعد فشله في تحييد القضاء وجعله مستقلا عن جميع الفصائل والأطراف والشخصيات.
وفي حديث خاص مع أبو اليسر، مدير المكتب الإعلامي الموحد في مدينة عربين في الغوطة الشرقية، أوضح لـ"
عربي21"؛ أن استقالة القاضي العام جاءت بسياق الضغط على الفصائل العسكرية لضمان استقلال القضاء، والالتزام بقراراته.
وأشار أبو اليسر إلى أن القاضي أبو سليمان طفور قد جدد في آخر تصريح قبل استقالته مطالبته لقيادة جيش الإسلام بتسليم موقوفي جيش الأمة، المعتقلين ضمن حملة حملت شعار القضاء على الفساد؛ أعلنها قائد جيش الإسلام زهران علوش، وعلى رأس هؤلاء قائد الجيش أبو صبحي طه. لكن مطلب القاضي لم يتحقق.
ورفض أبو اليسر الربط بين قرار القاضي بالاستقالة والحالة الاقتصادية بالغة السوء في الغوطة. ونقل عن أحد القضاة قوله إن الإنذار الذي وجه للمحتكرين والتجار ما هو إلا محاولة لامتصاص الغضب الشعبي المتفاقم، حيث حال عدم التزام الفصائل العسكرية دون تمكن القضاء من وضع آليات مجدية لضبط الأسعار.
وقال أبو اليسر عن المكتب المستحدث؛ إن مهمته متابعة الملفات الأمنية، لمنع حدوث تضارب كما حدث في قضية الشيخ أبو عروة رئيس الهيئة الشرعية لدمشق وريفها، فيلزم الأمنيين في الفصائل العسكرية بعدم اعتقال أي شخص دون مذكرة قضائية.
أما سعيد، وهو اسم مستعار لأحد ناشطي الغوطة، وفضل الحديث بهذا الاسم بعد تلقيه تهديدات من جهات أمنية تابعة لفصائل عسكرية، حسب قوله، فقد فأرجع قرار استقالة القاضي العام إلى عدم التزام العسكريين والاعتقالات بدون مذكرات قضائية.
وقال سعيد لـ"
عربي21"؛ إن المظاهرات التي خرجت في الغوطة الشرقية قد انطلقت من منطقة سقبا، وطالبت جيش الإسلام بتسليم المعتقلين للقضاء للبت بأمرهم، وتحولت المظاهرات إلى يومية، واعتقل خلالها عددا من أهالي المنطقة دون مذكرات قضائية، حيث تعهد وفد من جيش الإسلام بالإفراج عن دفعة من المعتقلين، وهو ما لم يحدث.
وفيما يخص الغلاء والاحتكار ونقمة الناس، رأى سعيد أن تحول عدد من قادة الألوية إلى تجار ومسؤولي منافذ بيع، واحتكار تجارة البضائع في الغوطة، وترك الجبهات، سبب نقمة لدى الأهالي الذين باتوا يعانون من تدخل العسكر المستمر في كل تفاصيل الحياة اليومية في الغوطة، خاصة مع ارتفاع الأسعار بشكل كبير، وتجاوزها 30 ضعفا في بعض الأحيان؛ عن الأسعار في دمشق ومناطق أخرى، وهو ما دفع لخروج مظاهرات في بلدات عين ترما، وزملكا، ومسرابا.
وقد طالبت المظاهرات بالمجمل بتسليم شؤون التجارة وشؤون الناس لهيئات مدنية، بعيدا عن تدخلات العسكر ومسؤوليهم الأمنين؛ التي أصبحت هاجسا يلاحق كل من ينتقدهم خوفا من الاعتقال، كما يقول ناشطون في الغوطة.