نشرت صحيفة لوموند الفرنسية تقريرا حول توظيف
تنظيم الدولة للصورة، لإظهار مشاهد الذبح والإعدام وبث الرعب في صفوف الخصوم، تناولت فيه الأثر النفسي العميق التي تخلفه هذه المشاهد في نفوس المشاهدين، وأشارت إلى أن هذا الأسلوب الدموي ليس جديدا، وهو يعود إلى عصر الحروب الدينية الدموية في أوروبا.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "
عربي21"، إن الصورة أصبحت مصدرا للمعلومة، تماما مثل القراءة، وهو ما فهمه تنظيم الدولة الذي أصبح يتفنن في نشر صور عمليات إعدام، تحمل الكثير من اللمسات الفنية والتعديلات، والكثير من الرسائل السياسية أيضا.
ورأت الصحيفة أن التنظيم أصبح يقوم بعمليات تعذيب الإنسان وانتهاك حرمة الجسد البشري، فقط من أجل الحصول على صور وتسجيلات فيديو، وذلك لبث الرعب في صفوف الأعداء وشحن المناصرين بمشاعر الحماس والاستعداد للقيام بنفس الممارسات، وهو ما دفع بياسين الصالحي، منفذ هجوم مصنع الغاز بفرنسا، إلى التقاط صورة "سيلفي" مع رأس مديره المقطوعة وإرسالها لصديقه في
سوريا.
وذكرت الصحيفة أن استغلال النفس البشرية للقيام بعرض ديني يعد ظاهرة غامضة بالنسبة للناس في عصرنا الحالي، خاصة غير المطلعين منهم على الصراعات الدينية في الماضي، وهو ما دفع بالمؤرخيْن الفرنسيين المتخصصين في التاريخ الحديث، دينيس كروزي وجون ماري لوغول، لإصدار كتاب بعنوان "خطر الحروب الدينية"، يقارنان فيه العنف الذي يمارسه تنظيم الدولة بالعنف الذي تمت ممارسته في السابق في أوروبا خلال القرن السادس عشر.
وبحسب الصحيفة، كانت الصورة خلال تلك الفترة المظلمة من تاريخ أوروبا تلعب دورا محوريا في الصراع، وكانت حالة "الخذر الديني" سائدة كما هو الحال لدى مقاتلي تنظيم الدولة في الوقت الحاضر، وساد الإيمان المطلق بالغطاء الديني الذي يبرر كل الفظاعات المرتكبة، خلال سلسلة الحروب التي دارت بين المسيحيين البروتستانت والمسيحيين الكاثوليك، حيث اختلطت فيها الحسابات السياسية والصراعات الاجتماعية بالشعارات الدينية.
وأوضحت الصحيفة أن مقاتلي تنظيم الدولة يكرهون الصورة وكل مظاهر الحداثة، ولكنهم في الوقت ذاته لا يمكنهم تحقيق أي نجاح بدونها، باعتبار أن القدرات الحقيقية للتنظيم أقل بكثير من الصيت الذي حاز عليه عبر
الدعاية الإعلامية، وبالنظر إلى النجاحات المفاجئة التي حققها بفضل استراتيجية نشر الرعب والفوضى، حيث أن مقاتليه، على غرار المقاتلين المسيحيين خلال القرن السادس عشر، يقومون باستعراض جثث ضحاياهم لكسب الهيبة والتعبير عن الانتصار، كما تقول الصحيفة
ولفتت الصحيفة إلى أن كتاب "خطر الحروب الدينية"، يعبر بكل وضوح عن خطورة تهيج العصبيات الدينية، وغياب أي شعور بالمسؤولية عن الانتهاكات التي تحصل، سواء في أوروبا خلال القرن السادس عشر أو مع تنظيم الدولة خلال الوقت الحاضر.
وفي الختام، دعت الصحيفة المؤرخين إلى التدخل، في محاولة لتوضيح طبيعة الصراع الجاري حاليا، والتحذير من خطر الحروب الدينية، والتنكيل بجسد الإنسان واستغلاله لبث الدعاية، لأن تتالي صور الأجساد المشوهة والأشلاء الممزقة؛ يوشك على تشويش العقل البشري وإفساد طريقة تفكير الإنسان.