نشرت صحيفة "واشنطن بوست" تقريرا للصحافية ليز سلاي، حول شبكة سرية تعمل لفضح جرائم
تنظيم الدولة في
الرقة في شمال
سوريا، التي يعدها التنظيم عاصمة له.
وتقول الكاتبة إن أحد المخبرين اتصل من الرقة بمكتب لتنسيق عمل الشبكة في غازي عنتاب، ليرسل له تقريرا عما يحدث في الرقة، وكان صوته خافتا على الهاتف، خشية أن يسمعه أحد، وقال إن شرطة تنظيم الدولة تتواجد في مركز المدينة بقوة، وتوقف الناس عشوائيا، وتدقق في هواتفهم النقالة، وتقوم باستجوابهم، وقد اعتقلت اثنين. كما أقام مقاتلو تنظيم الدولة حواجز جديدة على الطرق المؤدية إلى المدينة، ويبدون متخوفين على غير عادتهم.
وتذكر الصحيفة أن الرجل الذي بدأ عليه الخوف، قال قبل أن يغلق الهاتف: "لا تتصل بي حتى أتصل بك". وفي غازي عنتاب هذه المدينة التركية، انطفأت شاشة الهاتف النقال، التي كان اسم المتصل عليها "المخبر رقم 3، الرقة".
ويشير التقرير إلى أن مثل هذه الاتصالات التي يتم القيام بها، فيها مخاطرة كبيرة للمخبرين السريين، الذين يعيشون تحت حكم تنظيم الدولة، ولكنها تعد شريان الحياة لمجموعة تطلق على نفسها اسم"الرقة تذبح بصمت"، وتهدف إلى فضح جرائم تنظيم الدولة، عن طريق نشر مواد ومنشورات على مواقع "فيسبوك" و"تويتر".
وتبين سلاي أن الشبكة تتألف من حوالي 20 ناشطا سوريا، أتقنوا أساليب الأنشطة والحيل خلال الثورة ضد بشار الأسد عام 2011. وأصبح موقع الشبكة مصدرا للمعلومات عن الحياة تحت حكم تنظيم الدولة.
وتلفت الصحيفة إلى أن الناشطين قاموا بإطلاق حملتهم في نيسان/ أبريل 2014، عندما كان العالم غافلا عن تهديد المتطرفين والجرائم التي يرتكبونها في سوريا، من قطع رؤوس المعارضين، إلى الصلب والسجن، وغيرها من العقوبات الصارمة.
ويوضح التقرير أن استخدام كلمة "صمت" في اسم المجموعة يدل على شعور الهجر الذي يحس به السوريون، الذين رأوا برعب كيف اختطف الجهاديون القساة ثورتهم التي كانت من أجل التغيير الديمقراطي. وتقول الشبكة إن لها الفضل في التوعية بهذه المخاطر.
وتنقل الكاتبة عن أحد مؤسسي الشبكة أبي إبراهيم الرقاوي، الذي تحدث عبر "سكايب" من مكان غير معروف، قوله: "الرقة لا تذبح بصمت الآن، وبسبب هذه الحملة يعرف العالم كله عن الرقة، وعن حقيقة تنظيم الدولة". وقد أدى التنظيم نفسه دورا في نشر جرائمه من خلال الأشرطة الدعائية، التي تحاول إظهار أن الحياة تحت حكمه هي حياة مثالية.
وتورد الصحيفة أن المؤلف المشارك في كتاب "تنظيم الدولة: داخل جيش الإرهاب" حسن حسن يقول إن شبكة "الرقة تذبح بصمت" ملأت فراغا مهما في عرض رواية مغايرة لتلك التي يرويها التنظيم من الناس الذين يعيشون تحت حكمه في الرقة.
ويضيف حسن للصحيفة: "هؤلاء الناشطون يعرضون حياتهم للخطر مقابل الحصول على معلومات ميدانية، فما لا نريده هو أن نسمع رواية التنظيم فقط، والناس في الخارج يقولون إنه لا يوجد ما يثبت أن الناس غير سعداء تحت حكم التنظيم".
وينقل التقرير عن أبي محمد، البالغ من العمر 26 عاما، وهو طالب سابق في كلية الحقوق، ومؤسس آخر للشبكة، ويعمل في مكتبها الصغير في غازي عنتاب، قوله إن إثبات أن هناك معاناة تحت حكم تنظيم الدولة، كان أحد الأهداف الرئيسة لإنشاء الشبكة.
وتذكر سلاي أن للمجموعة 23 ألف متابع على "تويتر"، بينهم دبلوماسيون وصحافيون ومسؤولون في البنتاغون. وأن صفحة الـ"فيسبوك" الخاصة بهم حازت على إعجاب 39 ألف متابع.
ويقول أبو محمد للصحيفة إن متابعي صفحة الـ"فيسبوك" الخاصة بالشبكة من سوريا، الذين يعيشون تحت حكم تنظيم الدولة، لا يتجرأون على الضغط على "لايك" للصفحة؛ خشية اكتشاف فعلتهم إن تم اعتقالهم. مبينا أن الجمهور المستهدف للشبكة هم الناس الذين يعانون تحت حكم التنظيم، والذين يشعرون بأنهم بلا صوت لولا الشبكة، كما تأمل الشبكة أن تكون سببا في ردع المقاتلين الأجانب من الانضمام للتنظيم.
وينقل التقرير عن أبي إبراهيم قوله إنه من الواضح أن الشبكة أصبحت مصدر إزعاج للتنظيم، ويبدو ذلك جليا من المحاولات المستمرة لتعطيل عمل الشبكة.
وتشير الكاتبة إلى أن الأئمة يتحدثون ضد الشبكة في خطب الجمعة، وقد تمت قرصنة صفحة "تويتر" الخاصة بها، وقام موقع "فيسبوك" بتجميد صفحة الشبكة أكثر من مرة بعد شكاوى، التي يتوقع أن تكون من مؤيدين لتنظيم الدولة، بأن الصفحة تنتهك قواعد النشر.
وتكشف الصحيفة عن أن التنظيم أعلن مؤخرا أنه أنشأ شبكة كاميرات في الرقة؛ للقبض على "من هم معجبون بشبكة الرقة تذبح بصمت"، بحسب ما نشره أحد أعضاء التنظيم على حسابه على "تويتر".
ويفيد التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، بأنه ليس من الواضح إن كان هذا الادعاء صحيحا، ولكنه حفز على المزيد من السرية بين أعضاء الشبكة، التي تعد السرية في عملها ذات أهمية بالغة، حيث يعملون من خلال خلايا، ولا يعرف الناشطون في سوريا بعضهم؛ حماية لهم في حال وقوع أحدهم في قبضة التنظيم، ولتجنب الكشف عنهم تحت التعذيب. ويستخدمون برامج تشفير للتواصل، ولا يتحدثون عن انتمائهم للشبكة، ولا حتى لعائلاتهم، ويتحركون دائما من مكان إلى آخر، بحسب أحد أعضاء المجموعة الذي يستخدم الاسم الحركي تيم رمضان، وكان يرسل بتقاريره من البوكمال على الحدود السورية العراقية.
وتبين سلاي أن المراسلين يقومون بإرسال تقاريرهم إلى غازي عنتاب، حيث يوجد أبو محمد وستة آخرون، كلهم من الرقة، يتناوبون على مدار الساعة لنشر تلك التقارير على مواقع التواصل الاجتماعي. ويتلقون الدعم من مؤسسة أمريكية غير حكومية، ويرفضون الكشف عن اسمها لأسباب أمنية.
وبحسب الصحيفة، فقد كانت هناك أخطاء تسببت بنتائج مأساوية، أحدها كان القبض على أحد مؤسسي الشبكة على حاجز من حواجز تنظيم الدولة، واسمه المعتز بالله بعد فترة قصيرة من تأسيس الشبكة، ووجد مقاتلو التنظيم معه صورا وفيديوهات على جهاز الهاتف، ما أثبت لهم نشاطه فقاموا بقتله بعد شهر.
ويتابع التقرير بأن الشبكة قامت بنشر شريط فيديو أرسله مواطن عادي لقصف التحالف لبلدة تل أبياد الحدودية، وكان صوت الرجل مسموعا للحظات، فبحث التنظيم عنه حتى وجده وسجنه، ولا يعرف أحد شيئا عنه منذ ذلك الحين.
ويقول أبو محمد، الذي قضى أسبوعا في سجون تنظيم الدولة عام 2013، لالتقاطه صورا لمقاتليه: "أي خطأ يؤدي إلى الموت، إذا اعتقلوك فسيقتلونك"، بحسب الصحيفة.
وتؤكد الكاتبة أن التحقق من صحة المعلومات مسألة مستحيلة؛ لأن الوصول إلى معلومات في مناطق التنظيم صعب جدا، مستدركة بأن الشبكة أثبتت صحة ما تقول في معظم الحالات.
وتنوه الصحيفة إلى أن إحدى القصص التي انفردت بها الشبكة، كانت عندما قامت الولايات المتحدة بعملية سرية لإطلاق سراح رهائن أمريكيين في مكان سري في الرقة، قبل أكثر من ستة أسابيع من تحدث أوباما عن العملية، التي انتهت بالفشل. فبعد تدمير الأسلحة المضادة للطائرات، فشلت القوات الأمريكية الخاصة في العثور على السجناء، وبينهم جيمس فولي الذي قُطع رأسه لاحقا.
ويذهب التقرير إلى أنه عندما أمسك التنظيم بالطيار الأردني معاذ الكساسبة العام الماضي، أعلنت الشبكة عن مقتله بعد أيام من أسره، وبعدها نشر التنظيم فيديو يبين فيه الأسلوب البشع الذي تم به قتل الطيار. وأكدت المخابرات الأردنية أن مقتله كان في الوقت ذاته الذي تحدثت فيه الشبكة عن مقتله.
وتستدرك سلاي بأن الكثير من أخبار الشبكة له علاقة بأمور حياتية، مثل انقطاع التيار الكهربائي والفقر ونقص المواد الغذائية والدواء، ما يظهر أن الحياة في ظل تنظيم الدولة ليست وردية كما يحاول التنظيم تصويرها. كما أن الشبكة تنشر عن ضربات التحالف الجوية.
ويخبر أبو محمد الصحيفة أن الناشطين لا يعدون أنفسهم صحافيين، بل يصنفون بأنهم ناشطون يرغبون في الإطاحة بالأسد وبتنظيم الدولة، وكثير منهم سجن عام 2011 أثناء الثورة، ويرون أن الهدفين لا يمكن الفصل بينهما.
وتختم "واشنطن بوست" تقريرها بالإشارة إلى قول أبي محمد: "نحن ناشطون غير عنيفين، لا نستطيع قتال تنظيم الدولة بالسلاح، ولكن نستطيع قتاله بالكلمات، وليتكمن من هزيمتنا عليه إغلاق شبكة الإنترنت، ولا يستطيع فعل ذلك؛ لأنه يستخدمها".