يواجه "النّوَر" أو الغجر في الأردن وضعا جديدا، حيث يطالبون بحقوقهم وبتمثيل لهم في
البرلمان، والخروج من حالة الدرجة الثالثة، التي يعيشون فيها منذ عقود. وقد أدى "
النور" الذين يعرفون ببني مرة، دورا في تأسيس المملكة، حيث اعتمد عليهم الملك عبدالله الأول، وجندهم في الجيش، بل واعتبر أحد شيوخ قبائلهم وهو سعيد باشا من الشخصيات المحترمة.
ونقلت صحيفة "كريستيان ساينس مونيتور" في تقرير أعده الكاتب تايلور لاك، عن ضابط كبير في الشرطة اسمه "أنس حسين"، قوله إنه يعيش وجودا وهميا، ويخفي هويته عن زملائه؛ لأنهم لو عرفوا هويته لنبذوه، ويضيف: "لو اكتشف الناس أنني غجري لفقدت الاحترام كله، وسيتوقفون عن النظر لي على أني بشر، وسأفقد كل شيء".
ويقول لاك إن الدومي أو الغجر، وبعد عقود من العيش في مجتمع مغلق يخرجون ويطالبون بحقوقهم، باعتبارهم أكبر
أقلية في البلاد. ويطالبون تمثيلا بالبرلمان واعترافا رسميا بقبائلهم، ويدعون إلى إنهاء أشكال التمييز كلها، التي أجبرت الكثيرين على قطع صلاتهم بعائلاتهم وتراثهم.
ويشير التقرير إلى أن عدد النور في الأردن يبلغ حوالي 70 ألف شخص، وينتمون للعرق الأندو- الأرياني، وهم يحملون الجنسية الأردنية، وقد أدوا في بداية القرن العشرين دورا في بناء المملكة، ويعتقد أنهم هاجروا إلى الشرق الأوسط من شبه القارة الهندية في القرن السادس الميلادي، وهناك أدلة على وجود الدومي "النور" في الأردن أثناء الحروب الصليبية.
وتذكر الصحيفة أن الملك عبدالله الأول اعتبرهم أثناء تأسيس المملكة رصيدا مهما، وجندهم في الجيش. ومع قدوم مئات الآلاف من الفلسطينيين بعد عامي 1948 و1967، لم تعد البلاد بحاجة لخدمات الغجر، وفقدوا موقعهم. وبدلا من النظر إليهم على أنهم قبائل أردنية، صار ينظر إليهم على أنهم جماعات "منحرفة" و"مواطنون من الدرجة الثالثة".
وينقل التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، عن فتحي موسى، نجل المغني المشهور عبده موسى، قوله: "تم دفعنا خارج المجتمع، وجردنا من أي مكانة". وأضاف: "نحن من الذين ساهموا في تأسيس الأردن، والآن ينظر إلينا على أننا مواطنون من الدرجة الثالثة".
ويبين الكاتب أن "النّور" يجبرون على ترك المدارس في فترة مبكرة، ويمنعون من المراكز الصحية؛ نظرا للنظرة العامة عنهم، بأنهم غير نظيفين. ويربط الأردنيون "النور"، الذين يعيشون في العادة في مخيمات على حواف المدن، بالسحر وقراءة الحظ، وينظر إليهم على أنهم مجموعة من الكذابين، وهي النظرة ذاتها التي ينظر فيها الأوروبيون لإخوانهم هناك في "روما". وينظر إليهم أيضا على أنهم بلا دين، مع أن الغالبية العظمى منهم مسلمون ملتزمون بالشعائر الدينية، بحسب الدراسات الأكاديمية وقادة مجتمعهم.
وتورد الصحيفة أن أستاذا اسمه محمد أحمد يقول: "النور لا يملكون قيما، ولا يخشون الله، ويستخدمون الرذيلة للحصول على المال". ويضيف أنه قد طرد عددا من التلاميذ الغجر من صفوفه. مشيرا إلى أن الموقف ذاته تم من مدرسين وعمال صحة آخرين.
ويرى لاك أن ما يدفع الغجر الأردنيين للمطالبة بحقوقهم هو التحول الديمغرافي الجديد في الأردن. فقد راقب الغجر تدفق 1.2 مليون لاجئ سوري إلى البلاد، وأنهم يتلقون مئات الدولارات، على هيئة مساعدات من الأمم المتحدة، ويتلقون الرعاية الصحية والتعليم.
وينقل التقرير عن أحد ممثلي الغجر في مدينة العقبة، التي حصل فيها السوريون على 300 وظيفة كان يقوم بها الغجر، ويدعى أحمد عبد، قوله: "يحصل السوريون على الوظائف والهويات والعناية الصحية والتعليم، فيما نعامل كالحيوانات. قد حان الوقت للكلام".
وتلفت الصحيفة إلى أن الغجر قد تحركوا وأنشأوا في أيار/ مايو "جمعية بني مرة"، التي ستقوم بمواجهة المفاهيم الخاطئة عن النور. ومن خلال شعار "أنا بني مرة، أنا أردني" يقوم قادة الغجر بالتواصل مع الإعلام، ويستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي لتغيير نظرة الأردنيين عنهم.
ويوضح الكاتب أنه في الوقت الذي يعيش فيه الآلاف منهم على حواف المدن وفي التجمعات الصناعية، فإن جمعية بني مرة تقول إن 80% منهم يعيشون في شقق سكنية مثل بقية الأردنيين، وإن هناك العشرات منهم يعملون أئمة.
ويستدرك التقرير بأنه رغم التمييز الممنهج ضدهم، إلا أن الجمعية فيها أعضاء ممن وصلوا إلى مراتب عليا في الجيش، ومحامون وأطباء وأساتذة جامعات، وكلهم يخفون هوياتهم.
وتنوه الصحيفة إلى أن الجمعية لديها هدف لتشجيع الغجر على الخروج من عزلتهم، وأن يكون لهم نائب في البرلمان. ويحاول موسى الحديث مع الحكومة كي تحدد مقعدا للغجر، مشيرا إلى أن الشركس والشيشان، الذين يقدر عددهم بحوالي 80 ألف نسمة، لديهم مقاعد في البرلمان الأردني.
ويقول موسى للصحيفة: "لو حصلنا على موقع محترم في البرلمان لنظر إلينا بطريقة مختلفة"، وقد خاض موسى الانتخابات مرتين في عامي 2003 و2010، ولكنه لم ينجح. ويقول: "نريد أن يكون لدينا نموذج يحتذي به بنو مرة الذين تعلموا الخجل من أنفسهم".
ويفيد لاك بأن الحكومة رفضت عرائض بني مرة، التي تطالب باعتبارهم أقلية، وتركت تغيير قانون الانتخابات للبرلمان، الذي تسيطر عليه العشائر الأردنية.
وتختم "كريستيان ساينس مونيتور" تقريرها بالإشارة إلى أن ديوان موسى في جنوب عمان، شهد اجتماعا لـ"النور" الذين جاءوا من المناطق كلها، لمناقشة حقوقهم والمشكلات مع القانون، ومقترحات قوانين الزواج والتحرش بالأولاد في المدارس، بالإضافة إلى مشكلات المخدرات. ويقول موسى: "نحن أردنيون وسنبقى كذلك، وفي الطريق لاستعادة دورنا".