نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريرا للكاتب جوناثان ستيل، بدأه بالقول إنه يجب ألا يفاجأ أحد بأن المذبحة، التي وقعت على شاطئ مرسى
القنطاوي، قد دفعت بزعيم حركة
النهضة راشد الغنوشي للدعوة إلى الوقوف بقوة وراء قوات الأمن والجيش في واجبها المقدس لمحاربة الإرهاب.
ويقول الكاتب إن الصدمة بسبب المذبحة ستتلاشى بعد عدة أسابيع، وإن رد فعل الغنوشي كان متوقعا، وإن كان حزب النهضة قد فشل، ومنذ الإطاحة ببن علي، وعودته حزبا قانونيا، بأن يقنع
التونسيين بأنه صارم في حربه ضد الجهاديين المتطرفين كأي حزب علماني، وكان هذا واضحا في بعض القرارات المثيرة للجدل.
ويشير التقرير إلى أن الحزب قد اتخذ في عام 2013، -عندما شكل الحكومة بعد النجاح التاريخي في الانتخابات-، قرارا بحظر جماعة
أنصار الشريعة المتطرفة، وأعلنها حركة إرهابية، وتم اعتقال حوالي 1500 شخص للاشتباه بأنهم على علاقة بأنصار الشريعة، والمشاركة بأنشطة إرهابية عام 2013.
ويستدرك ستيل أنه بالرغم من ذلك، فقد استمر العنف الجهادي في التنامي، وزادت الاعتقالات المكافحة للإرهاب. ففي شهر آذار/ مارس هذا العام، جاء الهجوم في تونس على المتحف الوطني "
باردو" وبناية البرلمان المجاورة، ومع أن معظم ضحايا الهجوم الثلاثة وعشرين كانوا من الأجانب، إلا أن الهدف من الهجوم لا يزال مجهولا.
ويتساءل الكاتب "هل كان الهدف من الهجوم هو إضعاف السياحة، التي تعد مصدرا رئيسا للبلاد، أو كان قرارا اتخذ في آخر لحظة لصعوبة الهجوم على البرلمان، الذي كان يناقش قوانين تعطي قوات الأمن صلاحيات أوسع؟"
ويجد الموقع أنه مهما يكن السبب فإن تشديد الإجراءات الأمنية بعد جريمة متحف "باردو" لم يكن كافيا ليمنع وقوع مجزرة الأسبوع الماضي. مشيرا إلى أن السياح المستلقين على الشواطئ يعدون من أسهل الأهداف، وليس من الممكن أبدا إعطاؤهم ضمانا بالحماية من كل مهاجم مستعد لأن يضحي بحياته.
ويرى ستيل أنه بينما يمكن تفهم وضع حراس مسلحين في المواقع السياحية، فإنه يجب أن تبقى هذه الاحتياطات دفاعية. فالقيام بهجوم معاكس، واعتقال المشتبه بهم دون دليل ضدهم، والتضييق على حركة المتطرفين، هي أمور في الغالب ستؤدي إلى زيادة قابلية المخاطر.
ويلفت التقرير إلى أن تونس لديها فائض من الشباب العاطل عن العمل والغاضب، وبعضهم قد يميل إلى العنف، مستدركا بأن اعتقال المزيد منهم دون سبب كاف، والتعامل معهم بوحشية، ليس هو الحل. وتقول منظمات حقوق الإنسان إن التعذيب منتشر في مراكز الشرطة التونسية، وتساعد أجواء عدم مساءلة الشرطة إلى المزيد من استخدام التعذيب والوفيات في الأسر.
ويورد الموقع أن باحثة "هيومان رايتس ووتش" في تونس، آمنة قلالي، تستشهد بما قاله وزير التعليم ناجي جلول، بعد هجمات متحف "باردو"، حيث قال: "الإرهابيون لا يحترمون حقوق الإنسان، ولذلك علينا ألا نحترم حقوقهم".
وتقول قلالي في تقريرها من تونس: "أصبح ناشطو حقوق الإنسان هدفا لتيار من الرأي العام، يحملهم مسؤولية إهمال الحكومة في الحرب ضد الإرهاب"، بحسب الموقع.
وينقل التقرير عن البروفيسور في جامعة لافال في كيوبيك، الذي عاش في تونس لعدة سنوات، فابيو ميرون، قوله إن "أراد الشخص أن يفهم جذور الإرهاب حديثا في تونس فإن عليه أن يفهم الفرق بين أنصار الشريعة المحظورة ولواء عقبة بن نافع، وهو لواء تابع لتنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي، ووزارة الداخلية لا تميز بين الاثنين". مضيفا أن قيادة أنصار الشريعة تعد تونس أرض "دعوة"، وليست أرض "قتال".
وكتب ميرون: "قائد المجموعة الكاريزماتي أبو عياض قال في عدة فيديوهات إن بين الأنصار والحركة الجهادية العالمية رابطا عقائديا، ولكنه ليس سياسيا ولا عمليا".
ويبين الكاتب أن جماعة أنصار الشريعة ليست لديها رؤية ولا استراتيجية دمار مثل تنظيم القاعدة، بل تسعى إلى إيجاد بديل عن الأوضاع المأساوية للشباب التونسي، وتكسب تأييد الشباب بالادعاء بأن الحكومة الحالية ترجع إلى النظام الديكتاتوري الذي أطيح به، والتأكيد على ضرورة بناء جبهة إسلامية ضد "الدولة العميقة".
ويذهب الموقع إلى أن قرار النهضة حظر جماعة أنصار الشريعة، قد قوّى من حجتهم، وكانت النتيجة العملية للحظر هي مغادرة المئات من السلفيين المؤيدين لها إلى ليبيا وسوريا، حيث انضموا للحرب التي يخوضها تنظيم الدولة في البلدين، وانضم الآخرون، بحسب ميرون، إلى لواء عقبة بن نافع المرتبط بتنظيم القاعدة.
ويستدرك التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، بأنه رغم أن البعض سكت لتجنب القمع، إلا أن ذلك لم يجفف منابع التجنيد للتطرف الجهادي، حيث أن ما حصل أعطى قوة للحجة التي تقول إن الحكومة كانت تحارب السلفيين، فعلى السلفيين أن يحاربوا الحكومة
ويجد ستيل أن هذا بدوره سهل على دعاة السلفية إقناع الشباب بآرائهم المتطرفة، وساعد على تفسير كون العدد الأكبر من المتطوعين مع تنظيم الدولة هم من التونسيين.
ويوضح الموقع أن الحكومة التونسية الآن، وبعد مذبحة الأسبوع الماضي، تفرض مزيدا من القيود على الحريات، وقد أعلنت يوم الجمعة الماضي عن إغلاق حوالي 80 مسجدا غير رسمي. وكانت الحكومة تسيطر ولفترة طويلة على المساجد كلها في البلاد، حيث كانت هي الجهة المسؤولة عن تعيين الأئمة ودفع رواتبهم وفصلهم.
ويرى الكاتب أن إغلاق المساجد، التي تطورت بشكل مستقل ودون ترخيص، هو قمع غير ضروري، ويأتي بنتائج عكسية. مبينا أنه بدلا من الالتقاء في المساجد فإن الناس سيلتقون في أماكن أخرى، وستكون لديهم مشاعر بأن هناك سببا جديدا يدعوهم لبغض ورفض الدولة.
ويفيد التقرير بأن الخطط الأخرى التي لوح بها الرئيس التونسي باجي قايد
السبسي، وهي منع الأحزاب التي تستخدم العلم الأسود شعارا لها، هو تحرك غير مباشر ضد حزب التحرير، وإن تم ذلك فإنه سيدفع بالناس إلى تحت الأرض، وفي هذا الجو من التضييق القمعي، هدد السبسي بملاحقة حركة احتجاج مجتمعية تكونت حديثا، وأطلقت على نفسها اسم "أين هو النفط؟".
ويذكر الموقع أن هذه الحركة مسالمة تماما، ولا علاقة لها بأي مجموعة أو حزب، وتدعو فقط إلى الشفافية حول العقود التي وقعتها تونس أو ستوقعها للتنقيب عن النفط. ولكن السبسي اتهمها بالقيام بحملة تشويه تستهدف الدولة التونسية وأمنها القومي.
وينوه ستيل إلى أن بعض المسؤولين في حزب "نداء تونس" الحاكم، اقترحوا في الأيام القليلة الماضية أن يقوم الحزب بإنشاء مليشيا خاصة به، وهو ما كان قد فعله بن علي سابقا.
وينقل التقرير عن عضو في المعارضة في المنفى من أيام بن علي، ويرأس الآن فضائية "إسلام تشانل" في لندن محمد علي، قوله إنه يرى أن تنامي الإجراءات القمعية الحكومية كارثي.
ويضيف علي للموقع: "عليك أن تكون صارما مع من يرتكب الجرائم، ولكن يجب عدم قمع الناس. وعليك أن توفر أكثر كم ممكن من الحرية، فإن أكبر أعداء تنظيم القاعدة وغيرها من الجماعات المشابهة هي الحرية والديمقراطية، وعقيدتهم هذه لا يمكن أن تعيش إلا في جو من انتهاك حقوق الإنسان. وبالطبع فإنك تحتاج إلى قوات أمن، ولكن عليها العمل ضمن إطار القانون".
ويتساءل الكاتب قائلا: "أي حزب في تونس يملك الجرأة الكافية ليشجب ما قد يصل إلى ثورة مضادة زاحفة؟ إن تونس لم تتراجع بعد بمقدار الديكتاتورية الحالية في مصر، ونأمل ألا يحصل هذا؛ لأن الجيش التونسي لم يتدخل في السياسة مكررا وبشمولية، كما حصل في مصر. كما أنه ليست في البلد انقسامات طائفية مثل العراق وسوريا، قد يستغلها سياسيون وحشيون، ومع هذا فإن التوجه في تونس مقلق للغاية".
ويردف ستيل: "قد يأمل البعض بأن يحمل النهضة علم الحرية والدفاع عن حقوق الإنسان، مع أن المؤشرات لا تبشر بخير. فإن الغضب الشعبي العارم بسبب هجومي (باردو) والقنطاوي يعني أنك بحاجة إلى قيادة شجاعة، وحزب يدعو إلى إنهاء التعذيب، وإلى إصلاحات أساسية في قوات الشرطة".
ويشير التقرير إلى أن حزب النهضة قد خسر ما بقي له من مصداقية، بعد خسارته لانتخابات العام الماضي، وقبوله لدعوة الانضمام بحقيبة وزارية واحدة لحكومة تتضمن عددا من الشخصيات البارزة من حقبة بن علي.
ويتساءل الموقع: "هل يستطيع حزب النهضة الانشقاق عن الحكومة، ويأخذ على عاتقه الدفاع عن الحريات المدنية كونه حزبا معارضا؟ وكم من التأثير يمكن له أن يمتلك؟"
ويختم "ميدل إيست آي" تقريره بالقول: "إن لم يكن حزب النهضة، فمن الضروري أن تكون هناك حملة مستمرة تقوم بها مجموعات سياسية وإعلامية في دعم عدد من المؤسسات غير الحكومية الداعية إلى الحفاظ على حقوق الإنسان، وإلا فإن آخر بصيص أمل للربيع العربي قد قارب على الانطفاء، ليتحقق هدف الجهاديين".