نشرت صحيفة "نيويوك تايمز" تقريرا، تحلل فيه موقف
تركيا من دعم الولايات المتحدة للمليشيات الكردية السورية التي تقاتل
تنظيم الدولة. فقد أغضب مستوى الدعم الأمريكي تركيا، التي تعد حليفا وعضوا في حلف الأطلسي لفترة طويلة، وتفكر الآن بإجراءات تحد من طموحات
الأكراد، بينها إقامة منطقة عازلة داخل
سوريا.
ويشير التقرير إلى أن أنقرة ترى في الأكراد السوريين خطرا محدقا على الأمن القومي؛ بسبب علاقاتهم بالأكراد القوميين في تركيا، الذين أعلنوا حربا لعقود على الدولة التركية؛ ولذلك نظرت بقلق متزايد إلى توسيع التعاون بين المليشيات الكردية السورية والقوات الأمريكية في الحرب ضد تنظيم الدولة.
وتقول الصحيفة إن الولايات المتحدة تقوم بعمليات تجسس في شمال سوريا، باستخدام طائرات دون طيار وطائرات عسكرية، لمساعدة المليشيات الكردية، وقد أقام ضباط القوات الخاصة الأمريكية قنوات اتصال مع المليشيات الكردية؛ لمدهم بالمعلومات، ولتمكينهم من الدعوة إلى الغارات الجوية من التحالف الذي تقوده أمريكا.
ويلفت التقرير إلى أن الأكراد السوريين أصبحوا حليفا مهما للولايات المتحدة، وغدت مليشياتهم واحدة من المجموعات المقاتلة القليلة التي يمكن الاعتماد عليها في قتال تنظيم الدولة، بدلا من قوات الأسد، مشيرا إلى أن التعاون الحميم قد بدأ العام الماضي خلال معركة كوباني، وازداد وتطور في الأشهر الماضية، وتوج بهزيمة تنظيم الدولة في بلدة
تل أبيض الاستراتيجية القريبة من الحدود التركية.
وتستدرك الصحيفة بأن الأكراد استمروا بالتقدم جنوبا، إلى ما بعد تل أبيض باتجاه الرقة، التي تعد عاصمة تنظيم الدولة الفعلية، وقد تسببت انتصاراتهم العسكرية بتوتر العلاقة مع تركيا.
ويذكر التقرير أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عقد اجتماعا لفريق الأمن القومي يوم الاثنين؛ لمناقشة مواجهة تنامي قوة الأكراد السوريين، وسط موجة من التقارير الإعلامية التي تقول إن أنقرة تفكر في اجتياح عسكري في شمال سوريا لإنشاء منطقة عازلة.
وتورد الصحيفة أن أردوغان استخدم في تصريح له يوم الجمعة الماضي أشد لهجة إلى الآن ضد الأكراد السوريين والمليشيا الرئيسة التابعة لهم، وهي وحدات حماية الشعب، التي تعد الذراع العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي المرتبط بحزب العمال الكردستاني، الذي شن حربا ضد الدولة التركية على مدى ثلاثين عاما الماضية.
وينقل التقرير عن أردوغان قوله في تعليقه الذي ألقاه على مأدبة إفطار نقلها التلفزيون التركي: "أقول للمجتمع الدولي إنه مهما كان الثمن الذي يجب دفعه، فإننا لن نسمح بقيام دولة جديدة على حدودنا الجنوبية في الشمال السوري". وقال رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو متحدثا على التلفزيون يوم الأحد الماضي إن تركيا "ستتخذ الإجراءات الضرورية للتقليل من المخاطر المتعلقة بأمن الحدود".
وتبين الصحيفة أن الإعلام التركي تحدث عن منطقة فاصلة تقيمها تركيا داخل سوريا، وذلك رد فعل على المخاطر المحتملة من تنظيم الدولة والأكراد، الذين ينشطون في الجانب السوري من الحدود. ولكن المحللين يقولون إن المكاسب التي حققها الأكراد في سوريا أعطت دفعة للفكرة، وهو ما فشلت تركيا بإقناع الولايات المتحدة بدعمه في الماضي.
ويفيد التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، بأن أمريكا وحلفاءها الغربيين يتهمون تركيا، التي لطالما دعمت المجموعات الساعية للإطاحة بالأسد، بأنها تساعد تنظيم الدولة، من خلال نظام حدودي غير حازم يسمح بدخول المقاتلين الأجانب والإمدادات للتنظيم. وأنكرت تركيا ذلك، ولكن المسؤولين والإعلام الموالي للحكومة يقولون إنهم يرون حصول الأكراد في سوريا على مناطق حكم ذاتي أخطر على تركيا من تنظيم الدولة.
وتشير الصحيفة إلى أن العنوان الرئيسي، الذي حملته صحيفة "ديلي صباح" الموالية للحكومة التركية، عقب سيطرة المليشيات الكردية على تل أبيض، كان: "حزب الاتحاد الديمقراطي أخطر من تنظيم الدولة".
ويتطرق التقرير إلى استبعاد المحللين محاولة تركيا إقامة منطقة عازلة وحدها، وهو الذي يحتاج إلى عملية عسكرية كبيرة، والحاجة في الغالب لقتال تنظيم الدولة والأكراد.
وتنقل الصحيفة عن الخبير في تركيا والزميل في معهد "رويال يونيتد سيرفيسز" آرون ستين، قوله: "أصبح الخطاب أكثر نارية، وأظن أن احتمال القيام بغزو بري هو احتمال بعيد". مضيفا أن إقامة مثل هذه المنطقة العازلة داخل سوريا ستعني في بعض المناطق أن على الجيش التركي أن "يقاتل تنظيم الدولة من شارع إلى شارع".
ويجد التقرير أن أي عمل ستقوم به تركيا في سوريا سيعقد من جهودها للتوصل إلى سلام مع أقليتها الكردية. وقد صرح زعماء الأكراد يوم الاثنين الماضي بأن أي عمل عسكري في سوريا سيقوض العملية السلمية في تركيا.
وتنقل الصحيفة عن زعيم حزب الشعب الديمقراطي صلاح الدين دمرتاس، قوله: "إن المنطقة العازلة ستعيق مكاسب الأكراد أكثر من منعها لتقدم تنظيم الدولة. تركيا تعتقد بأن الأكراد يقيمون مناطق خاصة بهم في المناطق التي طردوا تنظيم الدولة منها، ولذلك فهم يريدون تحقيق وجود عسكري في هذه المنطقة؛ لمنع الأكراد من تحقيق مكاسب إضافية".
ويرجح التقرير ألا يلقى القيام بعمل عسكري في سوريا شعبية لدى الأتراك، الذين يعارضون الدعم التركي القوي لثوار المعارضة ضد الأسد، كما أن استضافة تركيا لأكثر من مليوني لاجئ سوري تزيد من قلقهم.
وتوضح الصحيفة أن الحديث عن عمل عسكري في سوريا يأتي في أعقاب انتخابات عامة خسر فيها حزب العدالة والتنمية أكثريته البرلمانية، ولا يزال يعد الحزب الأكبر، ولكنه يحاول تشكيل ائتلاف، وهو سبب آخر يعتقد المحللون أنه سيجعل القيام بعمل عسكري تركي في سوريا أمرا مستبعدا.
وينقل التقرير عن مسؤول أمني تركي رفض الكشف عن اسمه؛ ليتكلم بانفتاح، قوله: "لا تحضر تركيا لإرسال قواتها إلى سوريا، ولكن هناك نقاشا حول الإجراءات التي يجب اتخاذها لرفع مستوى الأمن على الحدود ضد قوات تنظيم الدولة والقوات الكردية السورية".
وتقول الصحيفة إنه بالنسبة للتحالف الذي تقوده أمريكا، فإن دعم الأكراد السوريين قد حقق انتصارين كبيرين على تنظيم الدولة؛ الأول في كوباني الخريف الماضي، وهي مدينة كردية سورية، وقد قاتل التنظيم للسيطرة عليها لأشهر تحت غارات جوية مكثفة، وتم صده بعد أن خسر آلافا من مقاتليه. وقريبا نجح الأكراد في طرد تنظيم الدولة من تل أبيض، وهي بلدة حدودية ليست بعيدة عن الرقة، يقول الأمريكيون إنها من أكثر البلدات التي تضم المقاتلين الأجانب الذين يدخلون سوريا عن طريق تركيا.
ويكشف التقرير عن اعتراف قيادات الأكراد في سوريا بأهمية الغارات الجوية الأمريكية في تقدمهم ضد تنظيم الدولة. ويقول نائب رئيس لجنة العلاقات الخارجية لمنطقة كوباني إدريس ناسان إن "دور طائرات التحالف كان مهما جدا في تلك الانتصارات"، مشددا على أن أسلحة القوات الكردية ليست بتطور الأسلحة التي يستخدمها تنظيم الدولة، وهي الأسلحة التي حصلوا عليها غنائم من الجيش السوري والعراقي.
وترى الصحيفة أنه على الرغم من أن الترتيب مع أكراد سوريا كان ناجحا، إلا أن هناك حدودا لهذه الاستراتيجية؛ لأن الأكراد ليس لديهم استعداد للقتال خارج المناطق الكردية، ولا يتوقع أن يقودوا عملية لاستعادة الرقة مثلا. مبينة أن السيناريو ذاته تحقق في العراق، حيث دافع الأكراد بشكل جيد عن مناطقهم، ولكن لا يتوقع أن يؤدوا دورا رئيسا في هزيمة تنظيم الدولة في الموصل أو الأراضي العربية الأخرى.
ويتوصل التقرير إلى أنه مع هذا، فبالنسبة للولايات المتحدة، التي تحاول تكثيف برنامجها لتدريب الثوار على قتال تنظيم الدولة، بدلا من قوات الأسد، فإنها لم تجد شريكا عمليا سوى الأكراد إلى الآن.
وتختم "نيويورك تايمز" تقريرها بالإشارة إلى أن مسؤولا أمريكيا كبيرا يقول إن أكبر عقبة هي "إيجاد رجال يريدون قتال تنظيم الدولة، فكلهم يريدون قتال الأسد".