لقد أوضحت قضية احتجاز الزميل أحمد منصور لعدة أيام في ألمانيا رغم قصرها الزمني لمحة لمن لم يفهم بعد المنطق الذي يستند إليه أتباع الانقلاب العسكري في مصر!
لا تخطئ وتظن أن أتباع الانقلاب يتبعون السيسي لأنهم يرون أن ذلك خيرا لمصر، أو لأنهم تخوفوا فعلا من سياسة حكم الرئيس مرسي!
الأمر يا سادة أبسط من ذلك! إنهم يتبعون السيسي لأن مصلحتهم في ذلك، ويرون أن من السهل حسم الخلاف بالبنادق والدبابات بدلا من حسمه بصناديق الاقتراع!
الناس صنفان، صنف كالقاضي يبحث في الأدلة ثم يقضي بحكمه فيما استقر في نفسه وضميره أنه الحق، وهناك صنف آخر كالمحامي، اتخذ قرارا مسبقا ببراءة موكله، ويبحث في الأدلة جميعها، فما كان موافقا لرأيه اتخذه، وما كان ضده مهما كان واضح السطوع تجاهله وأنكره!
أتباع الانقلاب وعلى رأسهم السيسي تعودوا أن يأمروا فيطاعوا، ولا يرد أحد أمرهم! ولعلنا هنا نتذكر السيسي في تسريبه الشهير الذي حذر فيه ضباطه من أن البرلمان قد يستدعيهم لطلبات إحاطة واستجوابات فماذا يفعلون!
منطق هؤلاء الناس هو منطق فرعون: "ونادى فرعون في قومه قال يا قوم أليس لي ملك مصر، وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون، أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين، فلولا ألقي عليه أسورة من ذهب أو جاء معه الملائكة مقترنين" (سورة الزخرف).
منطق من يرى نفسه فوق الناس، ويقيس خصمه ليس بما يقول، ولكن يأخذ بالمظاهر، ومعياره ليس بالقيمة، وإنما بالثمن!
وبالتالي فغضب فرعون من وقوف نبي الله موسى أمامه وانتصاره على سحرته، كغضب امرأة العزيز من نبي الله يوسف لما رفض إغرائها، كغضب سالومي لما رفض نبي الله يحيي إغوائها، كغضب قوم نوح من أتباع "الذين هم أراذلنا" له، كغضب قوم نبي الله إبراهيم عليهم جميعا السلام إذ تجرأ وأظهر للعالم أن أصنامهم هي أصنام لا تضر ولا تنفع!.
بنفس المنطق، فإن الغضب الذي أثاره قرار الإفراج عن الزميل أحمد منصور في نفوس أراجوزات الانقلاب سببه أنهم يعلمون علم اليقين أن القضية سياسية، وليس قانونية من الأساس.
وقد صرح الزميل أحمد منصور نفسه أنه لم يقابل المدعي العام الألماني، وأن قرار الإفراج عنه كان سياسيا! أي أنهم غلبوا في ميدان السياسة بعد أن غلبوا في معركة الأخلاق، والقيم والقانون من قبل!
أما هنا في مصر، وقد تعودوا بحكم توغل الجيش في السياسة، يمكن بمكالمة تليفون من عباس للنائب العام إخراج مجرم من السجن، أو حبس بريء وتلفيق التهم له، حتى لو كان رئيسا منتخبا بأصوات المصريين!.
ومن اعتاد على هذا المنطق -منطق حق القوة - من الصعب عليه أن يصطدم بالمنطق المقابل -قوة الحق- التي تؤمن أنه لا بد لحق من قوة تحميه وتسانده، وتجعل تنفيذ أماني الظالم مستعصية، وأدواته غير صالحة، وأسلحته غير نافذة، فيرى المظلوم أمامه وقد خرج منتصرا، وتفشل خططه في وضح النهار!
ليتنا نتوقف عن نقاش هؤلاء الأراجوزات، فلقد مضى وقت النقاش! هؤلاء لا يفهمون إلا لغة واحدة، لغة القوة والأمر الواقع، وهو ما يجب أن نسعى لامتلاكه.