من الإجحاف وصف ما يحدث في
مصر الآن تحت الحكم العسكري بالفشل وحسب، حيث إن التوصيف الدقيق للحالة المصرية الكئيبة هو التآمر على حاضر ومستقبل وطن، بل وإهالة التراب على بعض صفحات الماضي المشرف من تاريخ هذا البلد المنكوب بحكامه، عبر تسويق الأكاذيب وبيع الأوهام.
ماذا قدم عبدالفتاح
السيسي خلال عام من تنصيبه كحاكم أوحد للبلاد وعامين من الحكم عملياً بعد انقلابه في الثالث من يوليو عام 2013 على أول تجربة ديمقراطية حقيقية مرت بها مصر خلال تاريخها الطويل؟!
العنوان الأكبر للإجابة هو
الفشل الذريع في كل شيء، وعلى كافة المستويات، وفي جميع الملفات.
يعد الملف الأمني أقوى حلقة من حلقات سلطة الانقلاب العسكري التي قام وتأسس وترسخت شرعيته على أساسه، ومع ذلك فقد فشل فيه بامتياز، حيث إن التفجيرات ما زالت تُدويّ في كل مكان، وفي أهم مؤسسات الدولة من مديريات الأمن، وفي قلب العاصمة (رمز وهيبة الدولة) ومحطات المترو والسكك الحديدية في وضح النهار، ومازال الإرهاب الغامض يهدد أمن شبه جزيرة سيناء إلى الحد الذي نستطيع أن نزعم أنه لم يعد هناك أمن في سيناء على الإطلاق، حيث القتل خارج اطار القانون وتهجير الأهالي وهدم المنازل، ومعاملة المواطن السيناوي على أنه مواطن غير مرغوب فيه أو عميل وخائن، ومن ثم أصبحت مسرحاً لجماعات عنف، فضلاً عن تسليمها لقمةً سائغة للعدو الصهيوني أرضاً للأشباح، فلا تنمية ولا بشر، اللهم إلا الحجر في بلدٍ ترفع شعار محاربة الإرهاب!.
أما الملف الاقتصادي، فالواقع يكشف حجم الكارثة، فكل المؤشرات الحكومية من داخل نظام الانقلاب ذاته، وفي مقدمتهم السيسي، تتحدث عن استفحال الفساد وتردي الحالة الاقتصادية، حيث قفز الدين العام والعجز في الموازنة لمستويات قياسية، مع ارتفاعات في مستوي التضخم، وزيادة نسبة البطالة بشكل مخيف، فضلاً عن هروب الاستثمارات الأجنبية والبنوك العالمية والشركات الدولية الكبرى في ظل توتر وسوء الأحوال السياسية والأمنية، بالرغم من إجراءات خفض الدعم، وفرض المزيد من الضرائب على المواطن الفقير، علاوة على تبخر الوعود الكاذبة بإنشاء مليون وحدة سكنية، ومشروع العاصمة الجديدة الوهمي.
أما على مستوى حقوق الإنسان، فحدث ولا حرج عن حجم الانتهاكات الصارخة في أقسام شرطة وسجون وأقبية سلطة الانقلاب التي يشيب لها الولدان من تعذيب ممنهج وحشي حتى الموت، فسجل الانقلاب حافلٌ بآلاف الضحايا الذين قضوا في مجازر سيتوقف التاريخ عندها طويلاً، فضلاً عن أكثر من 40 ألف معتقل يقبع في السجون والزنازين يتعرضون لاعتداءات جنسية مريعة، وحالات الاختفاء القسري للعشرات من الشباب والفتيات، ناهيك عن آلاف المُبعدين والمُطاردين خارج الوطن، بيد أن طلاب مصر الآن بين السجون والقبور يعانون أشد المعاناة، أو يُقتلون شر قتلة على يد من لا يرقبون في مؤمنٍ إلا ولا ذمة.
أما ملف القضاء (الشامخ) المنوط به إقامة العدل والقسط بين الناس، دون انحياز لجهة أو سلطة، فرائحة فساده تزكم الأنوف، فلم يحدث في التاريخ البشري أن صدر حكم على 600 شخص بالإعدام دفعة واحدة سوى في مصر المحروسة، فضلاً عن أحكام أخرى وصل عددها الإجمالي إلى أكثر من 1500 شخص، من بينهم الشهيد والأسير والشيخ المسن الذي لا يقوى على حمل نفسه بالأساس، فضلاً عن أن يُلحق الضرر أو الأذى بعصفور، ولنا أن نعرف أنه قد تم تقديم نحو 3500 مدني للمحاكمات العسكرية، من بينهم ست حالات صدر ضدهم حكم الإعدام، وتم تنفيذه بالفعل في 17 مايو الماضي، بعد اتهامهم في القضية المعروفة إعلامياً باسم " خلية عرب شركس ".
وعلى المستوى الاجتماعي، فقد نجحت سلطة الانقلاب في زرع بذور الكراهية والفتنة والانقسام والتشرذم والتفسخ المجتمعي بين تيارات الشعب الواحد على طريقة (إحنا شعب وإنتوا شعب)، وصلت إلى حد الدعوة للاحتراب الأهلي والاقتتال الداخلي الذي يُراهن عليه عبد الفتاح السيسي، مستمداً منه شرعيته الرخيصة في الاستمرار والبقاء جاثماً على رقاب العباد ومقدرات البلاد، وبزجه بالجيش المصري، وهذا هو الأخطر في آتون صراع سياسي ليصبح خصماً سياسياً وليس ملكاً للجميع، بعيداً عن دوره الرئيسي في حماية الحدود والثغور، لكنه حوله(أي الجيش) مع شركائه في الداخل والخارج إلى لاعب أساسي مهيمن على مجمل الحياة السياسية، يضيق ذرعاً بالمعارضة أو حتى الاختلاف في وجهات النظر.
وعلى مستوى الحريات، فلم يعد لمصر من الحرية سوى اسمها فقط يُتغنّى بها ليل نهار في أروقة النظام وأذرعه الإعلامية، ومن يُخالف أو يُعارض، فإن لم يكن مصيره السجن أو القتل أو الاختفاء القسري، فحملات التشويه والشيطنة واتهامات العمالة والخيانة والتمويل من الخارج من نصيبه هو ومن يعول، حتى يعود إلى صوابه ويُعلن الرضوخ والاستسلام، ويطلب الغفران والسماح من وليّ الأمر والنعمة الحاكم بأمره في دولة طاغياستان المصرية.
أما على مستوى التشريعات وإصدار مشروعات بقوانين، فالديكتاتور لا يستطيع أن يعيش في ظل دولة القانون والشفافية، اللهم إلا إذا كانت مرسومة له على يد ترزية القوانين المعروفين في الدول المتخلفة فقط، حيث إن العنوان الأبرز لعام من تنصيب السيسي، هو غياب برلمان منتخب تحت حجج ودعاوى وهمية يقف السيسي وراءها، لتكون النتيجة فوضى تشريعية مدمرة، حيث بلغت القوانين والتشريعات التي أصدرها بشكل منفرد لنحو 310 قوانين في مختلف نواحي الحياة السياسية والاقتصادية والأمنية، بما يحقق مصالحه الشخصية في التأبيد في الحكم فضلاً عن عسكرة الوطن.
عام من حكم الديكتاتور المنقلب عنوانه العريض الفشل الكبير في كل شيء، والتآمر على مصر شعباً ومؤسسات، الخاسر الأكبر في معادلة هذا الحكم هو الشعب المصري، ذلك أن كل يوم يمر في وجود هذا النظام، ينتقص من قيمة هذا الشعب، ويخصم من رصيد مستقبله، إلا إذا كان له رأى آخر في الصمود والمقاومة رغم التضحيات، والإصرار على مواصلة طريق التحرر الوطني من التبعية لحكم عسكري اختطف البلاد لصالح منافع شخصية، وأجندة غربية صهيونية.