ما تقوم به إدارة
أوباما مع
إيران في هذه المرحلة لا يمكن وصفه أبدا بأنّه مجرّد اتفاق نووي.
التفاصيل اليومية التي تنشر عن استمرار إيران بخرق تعهداتها -كما درجت العادة- بما في ذلك التعهدات التي قطعتها بموجب اتفاق (JPOA) النووي عام 2013 مع واشنطن، وتصدي إدارة أوباما للدفاع في مشهد غريب من نوعه عن هذه الخروقات الإيرانية تحت مسميات وذرائع متعددة، يؤكد أنّ الموضوع أكبر بكثير من مجرّد اتفاق، إنّه انقلاب مكتمل الاركان.
في مارس الماضي، نشرت مقالا في الجزيرة.نت تحت عنوان "أسطورة إبطاء أوباما لبرنامج ايران النووي"، خلاصته أنّ اتفاق عام 2013 لا يفرض قيودا حقيقية على برنامج إيران النووي، ولا يبطئ برنامجها.
لقد تعرّض هذا المقال لانتقادات شديدة آنذاك من قبل شريحة معيّنة من القراء، لأنّه يؤكّد بأنّ الاتفاق يتضمن ثغرات تتيح لإيران استغلالها.
في الأول من حزيران/ يونيو الحالي، قامت نيويورك تايمز بنشر تقرير لدايفيد سنجر ووليام برود، يؤكّد أنّ مخزون إيران من اليورانيوم المخصّب قد زاد بنسبة 20% خلال الأشهر الـ18 الماضية، أي خلال الفترة التي من المفترض أنّها ملتزمة فيها بعدم زيادة مخزونها من اليورانيوم المخصب وفق اتفاق عام 2013.
الزيادة وثّقتها التقارير الصادرة عن المنطمة الدولية للطاقة الذرية، حيث وردت هذه المعلومات في التقرير الذي صدر عن الوكالة في 29 مايو الماضي.
لكن ليست هذه هي المشلكة الوحيدة، المشكلة الأهم هي كيف استطاعت إيران أن تزيد من هذه الكميّة إذا كان الاتفاق يمنعها من ذلك؟!
البعض فسّر الموضوع بأنّه يعود في جزء منه إلى تحويل اليورانيوم السابق المتوسط التخصيب الموجود لدى إيران إلى كميات منخفضة التخصيب، وأنّ الجزء الثاني –وهو الأكبر- إنما يعود إلى فشل طهران في عملية تحويل اليورانيوم المنخفض التخصيب، ما أدى إلى زيادة الكميات المخزّنة.
لكن هناك من يعتقد أنّ الأمر قد يتعلق بمراوغة إيرانية لتحسين الشروط، وقدرة الابتزاز الموجودة لديها في هذه الفترة بالتحديد.
بغض النظر عن الأسباب الحقيقية لهذه الزيادة، الأهم من وجهة نظرنا هو الكيفية التي تفاعلت بها إدارة أوباما مع هذا التقرير؟ المتحدّثة باسم الخارجيّة الأمريكية ردّت على التقرير بشكل عنيف وقد تمّ مهاجمة كاتب التقرير وحتى استخدام وسائل التواصل الاجتماعي للرد عليه أيضا!
وخلاصة موقف الإدارة الأمريكية أنّ إيران لم تخرق التزاماتها، وأنّ العبرة في النتيجة النهائية وأنّ ما حصل لا يشكّل قلقا لإدارة أوباما!
الإدارة الأمريكية لم تكتف بتبرير الموقف الإيراني، وإنما انبرت للدفاع عنه وهنا مكمن الخطورة، لأنّ هذا السلوك لا يرتبط فقط بالملف النووي، فأوباما دافع ويدافع بشكل مباشر وغير مباشر مرات عديدة عن السياسات الإيرانية في العراق وسوريا، وبرر بشكل علني النفوذ الإيراني في المنطقة، ويعمل بشكل حثيث على تجاهل كل الانعكاسات المدمرة لمثل هذا الأمر.
السؤال الذي يطرحه البعض هو أنّه إذا كان باستطاعة إيران أن تغش وتخدع الجميع، وأن تفعل ذلك بجرأة وهي في ظل التزام علني باتفاق (JPOA) الذي تم عام 2013، فما الذي يمنعها من فعل الأمر ذاته إذا ما تم توقيع الاتفاق قريبا، لاسيما مع رفع العقوبات عنها؟
لا بل إنّ البعض يرى حقيقة أنّ أوباما يوفّر لإيران كل المسوغات اللازمة لها ليدفعها إلى الغش، فهو لا يمتلك استراتيجية، ولا يمكنك أن تعرف ما الذي يفكر به بالضبط، أو ما الذي يعنيه عندما يتحدث.
بالأمس كان يقول إنّ العقوبات لا تنفع وإنها دفعت إبران لتحقيق المزيد من التقدم في برنامجها النووي، وأنها لن تمنعها من الحصول على قنبلة نووية، ولكنّه يقرر اليوم أنّ الضمانة لعدم خرق إيران لأي من التزاماتها حال توقيعها على الاتفاق النهائي يتمثّل بالعقوبات التي سيتم إعادة تطبيقها بشكل جماعي إن هي فعلت ذلك!
بالأمس كان أوباما يقول إنّ كل الخيارات على الطاولة لمواجهة الخطر الإيراني، ولكنّه يقول اليوم في مقابلته التي أجراها على القناة الإسرائيلية الثانية إنّ الخيار العسكري ضد إيران لن يحل المشكلة حتى لو شاركت الولايات المتّحدة بهذا الخيار.
لو افترضنا صحّة كلامه الآن، فماذا كان يعني عندما يقول بأنّ كل الخيارات على الطاولة؟ وفي أيّهما يصدق أوباما أو يكذب؟ لقد انتيهنا اليوم بأنّ يعلن أوباما أن لا العقوبات تنفع ولا الخيار العسكري ينفع، وبأنّه لا يملك أي اوراق للمناورة، ومع ذلك يدافع عن إيران دفاعا غير مشهود من قبل. أعتقد أننا لن نضطر إلى الانتظار طويلا في المنطقة حتى يدرك الأمريكيون مدى فداحة حساباتاتهم الخاطئة، ولكن للأسف بعد خراب المنطقة بالكامل.