كتاب عربي 21

ما الذي قدمته قمة كامب ديفيد للشعب السوري؟

1300x600
لم يفاجأ السوريون بنتائج قمة كامب ديفيد، فقد انتهت لقاءات أصحاب القوة والمال بتعهدات لا ضامن لها، ولا توقيت يحددها، ولا آمال يعول عليها.
 
الأسد فاقد للشرعية، وعلى إيران أن تتوقف عن زعزعة الاستقرار في المنطقة. تطمينات أمنية لدول الخليج بأن أي اتفاق أمريكي أو دولي لن يؤثر في أمنهم و سلامة اقتصادهم و سيادتهم في مناطقهم، بهذا وما شابه خرج المؤتمرون من منتجع كامب ديفيد.

بكل تأكيد لن تتهاون الإدارة الأمريكية مع أي تهديد لمصالحها في الدول العربية، التي ترتبط معها بعلاقات شراكة استراتيجية و اقتصادية، كما لن تتهاون مع كل من يحاول المس بأمن مصالحها في الخليج طالما بقي نقطة نفط على أراضيهم.
 
أما بالنسبة لسوريا والصراعات التي أودت بشعبها وأمنه واقتصاده وسيادته إلى الجحيم، فلم تمنح إلا بعض التصريحات الدبلوماسية التي لا تقدم و لا تؤخر في مسار الصراع ،فكل ما يرتبط بالجانب السوري لم يتعد تصريحات باهتة لـ بن رودز في مؤتمر صحفي على هامش القمة؛ بقبول الإدارة الأمريكية دراسة الخيارات المختلفة في سوريا، مع إعلان مبطن بعدم رغبة الجانب الأمريكي القبول بإنشاء منطقة حظر للطيران، كونها حسب حساباتهم لا تشكل فارقا ذا تأثير، بعد دراسة طبيعة الصراع في المنطقة.

لن نتوقف عند هذا الإعلان لـرودز كوننا ناقشنا مسبقا دوافع واشنطن لهذا الرفض، التي كان أبرزها الابتعاد عن أي تدخل أو قرار يمكن أن يفضي إلى خسائر أو التزامات مكلفة للإدارة الأمريكية، وأن هذا شأن إقليمي يجب أن تتحمل كلفته الدول المتأثرة تأثرا مباشرا بالصراع الدائر على الأراضي السورية والراغبة في الحل.  

ولكن اللافت في تصريحات رودز المتعلقة بالشأن السوري تراجع واشنطن عن مخاوفها تجاه تسليح المعارضة، و يبدو ذلك واضحا من خلال حديثه عن تزويد المعارضة السورية بالسلاح الذي كان محرما حتى وقت قريب. 

لم تأت هذه الليونة تجاه المعارضة المسلحة في سوريا من العدم، و إنما صدرت عن رغبة البيت الأبيض كسب ود الدول الداعمة للمقاومة الشعبية في سوريا و أهمها السعودية وقطر وتركيا، الدول التي بات رحيل الأسد أولوية في ملفاتها الخارجية. ولكن قد يتساءل البعض،  لماذا -على الرغم من تأكيد الإدارة الأمريكية مرات و مرات على أهمية إزاحة الأسد، و تغيير النظام الحاكم في سوريا، و استمرارها في الإعلان عن أنه لا شرعية للأسد في سوريا- مازالت مواقفها سلبية تجاه حل الصراع بالقوة والتدخل العسكري، ومتمسكة بالحلول السياسية التي أثبتت فشلها يوما بعد يوم؟

الحقيقة إن الولايات المتحدة الأمريكية وبوضوح لا ترغب في المبادرة إلى أي موقف من شأنه أن يعرقل علاقاتها الدبلوماسية واتفاقياتها النووية مع الجانب الإيراني، بعد هذا الانفراج النوعي في العلاقات بين البلدين، ومن جهة أخرى؛ إن أي إقرار صريح من قبلها بأن الحل الوحيد والأنجع لحل الصراع في سوريا هو عبر التدخل بالقوة و الإمداد العسكري، سيفضي إلى زجها في التزامات و خسائر كانت ومازالت عبر سنوات الصراع في سوريا تتملص منها بذرائع و حجج مختلفة، منها ما كان واضحا من خلال إعلانها سابقا رفض الكونغرس زج القوات الأمريكية في أي عمل عسكري على الأراضي السورية، و ما يترتب عليه من أضرار وزيادة في التعقيدات الاقتصادية للبلاد، و منها ما هو مبطن مثل وصول الحكم في سوريا إلى جماعات و أحزاب لا تستطيع ضمان ولائها، ومخاوفها من تأثير أي نظام قد لا يسهل تطويعه لإرادتها على أمن وسلامة إسرائيل. ولكن ما شهدته الشهور الأخيرة من تجاذبات بين المثلث (السعودي- القطري- التركي) والمقاومة الشعبية على الأراضي السورية التي استطاعت كسب ثقة وود هذا المثلث، استدعى ذلك بكل تأكيد دبلوماسية أكثر حذر و حرص من الإدارة الأمريكية، التي شددت وأكدت عبر أوباما شخصيا تمسكها و حرصها على شراكتها مع دول الخليج الصديقة! 

قد يتأمل أوباما - الذي حاول من خلال تصريحاته أن يكون حمامة السلام بين الخليج و إيران - أن تخفف قمة كامب ديفيد من حدة الصراع الذي يقض مضجع واشنطن، كونه وصل إلى أراض تثمن صداقتها وشراكتها، و مع أنه لم يحدد لنا ما هي الإجراءات التي يتوقع أن يضغط بوساطتها على إيران لتتحول من جارة منبوذة ومكروهة إلى جارة الرضا! ما يمكننا تأكيده أن تطمينات أوباما لدول الخليج  و تعهداته التي لم تتحول بعد إلى معاهدات رسمية، لن تغير من واقع يقول: إن الاتفاق النووي مع إيران خطأ لا يمكن تفادي انعكاساته على الدول العربية مستقبلا، ولا يمكن التفاوض مع نتائجه ، وأن أي دعم لإيران سواء جاء عبر التغاضي عن جرائمها و انتهاكاتها في سوريا والعراق واليمن، أو عبر فك العقوبات الاقتصادية عنها، أو عبر السماح لها بالمتابعة في برنامجها النووي، ولو حتى ضمن إطار اتفاق محكم و مدروس من حيث تأثيراته ونتائجه، سيلقي بتأثيراته ونتائجه على واشنطن تحديدا في المستقبل القريب.