كتاب عربي 21

هل نحب جريمة التعذيب ؟

1300x600
منذ 25 يناير 2014 يقبع هذا الطفل في محبسه ليمر عام ونصف على اعتقاله في الذكرى الثالثة لثورة يناير، (محمود محمد )، طفل مصري محب للثورة التي اندلعت وعمره ثلاثة عشرة سنة، ورغم صغر سنه شارك فى كل فعالياتها بجوار الكبار؛ لأنه رأى أنها المستقبل الذي يتمناه لنفسه وبلاده.

تهمته أنه ارتدى تيشيرت مكتوب عليه ( وطن بلا تعذيب .. وطن نحيا فيه بالكرامة )، وكان يركب ميكروباص عائدا إلى بيته يوم 25 يناير 2014، وتم إيقاف الميكروباص في كمين على الطريق الدائري أعلى منطقة المرج بشرق القاهرة، وتم تفتيش كل من فيه واكتشفوا أنه يرتدي هذا التيشيرت تحت الجاكت الواقي من المطر، أصابهم غضب شديد سحلوه على الأرض، وضربوه بأقدامهم وأيديهم وهم يسبون أمه وأباه ، كأن كلمة التعذيب من المقدسات التي تم الإساءة إليها

وبعد وصلة من التعذيب والإهانة اقتادوه إلى قسم الشرطة القريب من الكمين، أربعة أيام كاملة قضاها بين الموت والحياة، يهتز جسده ويرتجف من شدة الصعق بالكهرباء، يصرخ فيهم: أنا عملت إيه؟ أنا ما كنتش في مظاهرات ولا عملت حاجة، أنا كنت مروح بيتنا وقبضوا عليا من الكمين، يصفعونه ويقولون: اخرس يا إرهابي يا بن ال ... أنت كنت واخد فلوس من الإخوان عشان تجيب متفجرات، وتحطها في المكان اللي قالوا لك عليه. يصرخ : إخوان إيه ومتفجرات إيه ؟ أنا أبعد مشوار بروح فيه هو دروس المدرسة أنتم بتعملوا فيا كدا ليه ارحموني.
 لم يرحمه أحد وحين خارت قواه من شدة الألم والجزع، قالوا له: سنتركك لكن ستعترف أمام كاميرا الفيديو أن هذه المضبوطات من سلاح ومتفجرات ومنشورات، هي ملكك وضبطناها معك وأنك قابض من الإخوان لعمل أفعال تخريبية. بكى الطفل وهو يصرخ: والله ما عملت حاجة حرام عليكم أنتم هتطلعوني مجرم. لم تثنهم دموعه وتوسلاته وتحت الضغط والتهديد باستئناف العذاب فعل ما يريدون حتى يتوقف عذابه !حولوه إلى إرهابي وألقوا به فى سجن أبو زعبل ثم سجن الاستئناف ليحبسوه احتياطيا على ذمة القضية رقم 715 لسنة 2014 إداري المرج. عام ونصف وقلب أمه ينفطر ويضيق الحال بوالده المريض الذى يحتضر، وهو يرى ابنه يتعرض لظلم بشع لا يستطيع رفعه عنه وما زال حتى كتابة هذه السطور خلف الأسوار !

كلمة التعذيب التي قادت  الطفل محمود إلى السجن المظلم، تقود اليوم قاضيين محترمين هما المستشاران (عاصم عبدالجبار وهشام رؤوف ) إلى التحقيق، كمتهمين في إعداد مسودة مقترح قانون لمكافحة التعذيب، بالتعاون مع أحد المنظمات الحقوقية الشهيرة بمصر، وجاء الخبر بالصحف كالتالي: (قرر المستشار أيمن عباس، رئيس محكمة استئناف القاهرة، ندب قاضٍ للتحقيق مع مستشارين من «تيار استقلال القضاء»، هما المستشار هشام رؤوف، الرئيس بمحكمة استئناف القاهرة، مساعد وزير العدل الأسبق، وعاصم عبدالجبار، نائب رئيس محكمة النقض، على خلفية اشتراكهما في وضع مشروع قانون لمكافحة التعذيب داخل السجون وأقسام الشرطة ومقرات الاحتجاز، وذلك خلال فعاليات ورشة عمل نظمتها المجموعة المتحدة للاستشارات القانونية في مارس الماضي.

وقالت مصادر قضائية إن طلب مجلس القضاء الأعلى ندب قاضٍ للتحقيق، صدر بعد عرض تحريات الأمن الوطني التي أشارت إلى اشتراك المستشارين في ورشة العمل، التى نظمتها إحدى منظمات المجتمع المدني، ومشاركتهما في إعداد وصياغة مشروع قانون لمكافحة التعذيب، وأوضحت المصادر أن المستشار هشام رؤوف أعد دراسة قانونية تطبيقية قبل 6 أشهر بعنوان «التعذيب جريمة ضد الإنسانية»، أعلن عنها في احتفالية ضخمة، ووزع ما يتجاوز 3 آلاف نسخة منها على رجال القضاء، تتضمن نقداً للوضع القانوني لجريمة التعذيب في قانون العقوبات، وأن الدراسة كشفت عن وجود عوار شديد في قانون العقوبات فيما يتعلق بجريمة التعذيب، لعدم اتفاق نصوصه مع الاتفاقيات الدولية الموقعة عليها مصر بشأن مكافحة التعذيب).

وصلنا إلى الزمن الذي صارت فيه الدعوة لمكافحة التعذيب وتجريمه تهمة تستوجب التحقيق والعقاب، بدلا من توجيه الشكر لمن يفعلون ذلك ! جريمة التعذيب في مصر ليست ظاهرة فردية، بل هي تراث مخيف لا يمكن إنكاره؛ لأن كل يوم جديد نسمع عن ضحية تسقط ويستمر المسلسل لأن هناك من أمنوا العقاب.

جريمة التعذيب من أشد الجرائم خسة؛ لأن المجرم فيها يستغل سلطته ونفوذه لقمع الناس وقهرهم وإذلالهم وإخراج تشوهاته النفسية وعقده، لذلك فالسعي لمقاومة هذه الجريمة وتغليظ عقوبتها هو فضيلة وواجب على كل إنسان حر يؤمن بكرامة الإنسان وحريته.

من يريدون جعل التعذيب منهجا لا يقترب منه أحد، هم أعداء للإنسانية وكارهون للإنسان، ومن يدافعون عن هذه الجريمة هم شركاء فيها، هناك من يريدون الحياة للإنسان وهناك من يريدون قتل روحه واغتيال كرامته وسحق إنسانيته .. فلنقاتل من أجل أن يبقى الإنسان إنسانا.