يدرك المتابع لتفاصيل الحياة اليومية في مناطق
تنظيم الدولة أنَّ "الشرعيين" يمثلون الواجهة الشكلية للتنظيم وهي التي يعرفها من في الخارج، بينما يمثل "
الأمنيون" السلطة الحقيقية العميقة. فطبيعة "الدولة" أمنية بامتياز، وليس أدل على ذلك من حجم الخوف.
يقول الناشط الحقوقي عبد الله
الحلبي: "دولة البغدادي مولود شرعي لنظام البعث العراقي الأمني، ولكن بقالب ديني عززه التدخل الإيراني، فلا يصدق عاقل أن يكون كل هذا الدهاء الأمني وليد بضع سنوات"، حسب تعبيره.
ويلفت الانتباه في حديثه لـ"عربي21" إلى أنّ سلطات الأمنيين في تنظيم الدولة وصلاحياتهم غير مقيدة بضوابط قانونية أو شرعية. فالجهاز الأمني أعلى رتبة، حتى من الجهاز القضائي، رغم رفع التنظيم الشعارات الإسلامية التي حققت له، ولا سيما في البداية الدعم الشعبي.
وقد جعلت قيادة التنظيم الشرعيين واجهة له ساهمت في جذب الشباب، وفي وهذا السياق، يقول الطالب الجامعي عدنان، من ريف حلب الشرقي: "بدأ التنظيم نشاطه الديني قبل العسكري في مناطق الثوار، عبر شبكة عريضة ممن يسمى الشرعيين المتدربين على الدعوة".
وقد منح التنظيم الشرعيين دورا كبيرا في الحياة العامة للمواطنين سواء في المحاكمات العادية، أو حركة الأسواق والحياة العامة، من حيث ضبطها "شرعيا". ولهم صلاحيات الفصل في كل أمور الحلال والحرام في مؤسسات التنظيم، شريطة لا يكون للأمر بعد أمني.
ويقول المدرس قاسم من ريف حلب لـ"عربي21": "سمح القائمون على ديوان التعليم الاختلاط بين الذكور والإناث في الصفين الأول والثاني الابتدائي، لكن سرعان ما غيروا رأيهم لأنَّ الشرعيين لم يوافقوا".
وليس كل الشرعيين على سوية واحدة، فمنهم من لا يملك أي مؤهل علمي، وصار في صفوف الشرعيين عبر دورة شرعية مغلقة تستغرق من شهرين إلى ستة أشهر.
ويعلق الشيخ حسن، من ريف حلب: "الدورات الشرعية ليست على سوية واحدة، إنما هناك مستويات عدة أعلاها تلك التي تخول صاحبها أن يكون قاضيا" ومعظم الشرعيين حاليا ممن لا يملكون مؤهلات علمية.
أما الأمنيون فيشكلون العالم الخفي والحقيقي لتنظيم الدولة، وهم من يمثل الدولة الحقيقية والعميقة في التنظيم. ويجهل المواطنون العاديون وعناصر التنظيم هوية هؤلاء الأمنيين. واللافت أن هؤلاء يشكلون مصدر رعب لعناصر التنظيم أنفسهم أكثر من المواطنين.
ويشرح الشرعي في التنظيم، أبو قتادة الأنصاري: "نظرا للتحديات الأمنية الكبيرة التي تواجه دولة الخلافة أعطي الأمنيون صلاحيات واسعة، ولكنها مضبوطة بالضوابط الشرعية"، حسب قوله.
ومبعث الرعب حجم الصلاحيات التي تخول الأمنيين اعتقال أي شخص بالتنظيم، ولو كان أميرا. ويعتقد أن كثيرا من القرارات لا يضبطها الشرعيون إنما الأمنيون، كقرارات التعليم.
يقول أبو محمد، مدير مدرسة في ريف حلب الشرقي: "كان بإمكان التنظيم تنقية المناهج الدراسية من المخالفات الشرعية، لكن ذلك لن يمكن الدولة من فرض سلطتها، فيخشى الأمنيون من أية رواسب تثير الناس، بالإضافة استفادة التنظيم من البيئة المجهلة كخزان بشري يرفده بالعناصر".
ومما يجدر ذكره أن الشرعيين الجدد في التنظيم مجرد موظفين ينفذون أوامر وتعليمات الأمنيين، بل ويخشونهم، ويبررون أفعالهم، فعند سؤال أحدهم عن المظالم التي يرتكبها الأمنيون، وسجنهم للمسلمين فترات طويلة دون محاكمة، وأخذ الناس بالشبهة كان الجواب: "دولة الخلافة في مهدها، وتتعرض لمؤامرات كثيرة فلا بدّ من بعض التجاوزات، وقد تحدث بعض المظالم لكنها لن تعكر صفو البحر الذي نسعى إليه فالخطأ من طبع البشر".
ويتهم خصوم التنظيم بأنهم يُسّيرون بعقلية البعث الأمنية، وتبريراتهم ذاتها، إنما تتم بقالب ديني. ومن لا يخرج عن هذا السياق يُقتل، كأبي شعيب المصري الذي قتل في اعزاز في ريف حلب، في ظروف غامضة. وكان قاضيا لدى التنظيم، وانشق قبل نحو عام، وقد كشف عن سجون التنظيم، والدولة الأمنية تحت الأرض.
ويتعرض ما بقي من شرعيين لمضايقات ومراقبة شديدة، ولا يسمح لهم بالتطاول على القيادة أوالتدخل في السياسات العليا لـ"الدولة" وإلا تعرضوا للقتل بتهمة شق صف المسلمين، كما حدث مع أبي عبد الرحمن المصري الذي أبطل بيعة البغدادي، باعتبار أن الملا عمر أميرا للمسلمين، كما اغتيل أبو أنس الليبي في الموصل.
ورغم ندرة العلماء الكبار في صفوف التنظيم، إلا أنه يعتقد أن الأمنيين لا يسمحون ببروز أسماء لامعة للشرعيين، خشية أن يشكك ذلك لاحقا في مصداقية التنظيم إذا انشقوا عنه.
وفي هذا السياق، يقول علي، وهو عنصر انشق عن التنظيم في فترة من مبكرة: "غياب الشرعيين المعروفين أو تغيبهم؛ هي سياسة التنظيم، وهذا يدلل على العقلية الأمنية البعثية. فالأمنيون يدركون أن الصدام بينهم وبين الشرعيين حاصل".
ويضيف: "فعلا، انشق عدد منهم (الشرعيين)، كالشرعي مانع المانع الذي سلم نفسه للسفارة السعودية في أنقرة، والقاضي أبو صفية اليمني الذي اعتقل من قبل التنظيم لينشق بعد ذلك".
وفي المقابل، تلاحظ ندرة الانشقاقات في صفوف الأمنيين، ولا سيما في الدائرة الضيقة، على خلاف الشرعيين. ورغم تلك العقلية الأمنية، فإن أجهزة المخابرات استطاعت اختراق الأمنيين والشرعيين. فقد اعترف التنظيم بعمالة الشرعي أبي عبد الله الكويتي للمخابرات البريطانية، وبعمالة أمير الأمنيين في الباب أبي عبيدة المغربي، للمخابرات الأمريكية. وقد تم إعدامه الإثنين.
ويرى مراقبون أن ما يحدث في صفوف التنظيم ينذر باشتعال التوتر مستقبلا بين الشرعيين والأمنيين في التنظيم، فالأيام تكشف للشرعيين أنهم مجرد واجهة لتنظيم أمني عميق.