قضايا وآراء

اللوبي الإيراني في الخليج

1300x600
كنت قد ترددت كثيراً في تأجيل الحديث حول هذا الموضوع المثير، لعدم اكتمال الصورة جيداً حينها، أما وقد تطور الأمر إلى مواجهة وعاصفة حزم وإعادة الأمل، فبات واجباً القول إن هناك "لوبي إيراني" بات يؤثر في قرارات المجتمعات الخليجية، مخدراً لها، ومحاولاً صرف أنظارها عن الخطر الحقيقي الذي يتربص بها وبالمنطقة العربية كلها، ليقطف ثمرة التداعيات الربيعية وحيداً.

فقد كشفت التطورات الجيوسياسية الكبيرة التي شهدت بلدان الربيع العربي، خلال الثلاثة أعوام الماضية، مدى التغلغل الإيراني في صلب صناعة القرار العربي والخليجي على وجه الخصوص، وبدرجة رئيسية في الإمارات العربية المتحدة، وبدرجة أقل في المملكة العربية السعودية وعمان وبقية دول الخليج وإن بمستويات أقل.

فلا شك أن رحيل الملك عبد الله بن عبد العزيز كشف بوضوح وجلاء حجم هذا التغول الإيراني في القرار السياسي للمملكة، من خلال رئيس الديوان الملكي خالد التويجري الذي كان يمثل مع محمد بن زايد ولي عهد أبو ظبي ثنائي اللوبي الإيراني-الغربي، من حيث يشعرون أو لا يشعرون؛ حيث كانت تصب كل توجهاتهم في صالح تمدد المشروع الإيراني في المنطقة العربية والخليج.

لكن يبقى الإشكال في الحالة الإماراتية أكثر عمقاً و خطورة بالنظر إلى أن النفوذ والتأثير الإيراني في القرار السعودي تم إيقافه نهائياً، من خلال إزاحة التويجري والانقلاب عليه بحسب ديفيد هيرست، فيما يبقى في الحالة الإماراتية أكثر خطورة نظراً لطبيعة ذلك النفوذ والتأثير المتوغل في صلب البنى الاقتصادية والديمغرافية والسياسية للمجتمع الإماراتي، فيما في الحالة  السعودية كان عبارة عن أفراد وتم إزاحتهم من مواقعهم ودرء الإشكال.

ففي الحالة الإماراتية يبدو أن النفوذ الإيراني تموضع مبكراً ونشأ مع نشوء الدولة، وظل كامناً فيها يرقب التحولات و يساهم في صناعتها من خلف الكواليس، وهو ما توضح  في بعض المراحل كما هو الحال في الأزمة الحاصلة بين حكومة الإمارات و جمعية الإصلاح في منتصف تسعينيات القرن الماضي، حينما تم تجميد نشاط الجمعية وإيقافها حينها وعزل وزير التربية في الدولة، الذي كان محسوباً على تيار الإخوان في الإمارات حينها.

قد يبدو مثل هذا الأمر غريباً لدى البعض، في ما طبيعة العلاقة بين جمعية الإصلاح واللوبي الإيراني، بالنظر إلى حجم التسطيح الإعلامي والتزييف الذي صنع حول علاقة الإخوان المسلمين بإيران، ذلك التهريج الإعلامي الذي تم صناعته بعناية، وخاصة من بعض مراكز النفوذ في الإعلام الخليجي السعودي والإماراتي تحديداً، وذلك لجر المملكة لمعركة ضد الإخوان الذين كانوا يتمتعون بعلاقة جيدة كثيراً مع النظام السعودي على مدى عقود من الزمن، ساهمت في نهضة المجتمع السعودي على مختلف المستويات التعليمية والثقافية و العمرانية أيضاً.

لذا كان تخوف الإيرانيين من الإخوان نابع من هذا الاتجاه؛ باعتبار الإخوان قوى وتيار فكري وثقافي يمثل حائط صد أمام توغلهم في المجتمع الخليجي، فحاولوا مراراً إعادة تكييف مثل هذا العلاقة لصالحهم ففشلوا في ذلك، مما حدا بهم إلى ضرب علاقة الإخوان بأنظمة الخليج من خلال الحديث عن فزاعة ارتباط الإخوان بإيران، مستفيدين من بعض الفجوات التي تمكنوا من التموضع فيها كعلاقتهم بحماس على سبيل المثال.

بالعودة إلى الحالة الإماراتية ومدى التغول الإيراني فيها، فسنجد أنها حالة شبه معقدة و مستعصية بالنظر إلى حجم التداخل بين الضفتين الخليجيتين، حيث يوجد هنالك ما يقارب نصف مليون إيراني ما بين مقيم ومجنس إماراتي، يصل حجم تحويلاتهم المالية سنوياً ما يقارب 20 مليار دولار إلى إيران.

وبالتالي فإن الحديث عن نفوذ إيراني في الإمارات لم يعد مجرد تحليل، بقدر ما غدا معلومة موثقه لا تعزوها الشواهد على ذلك، فقط لننظر إلى دور ونفوذ الوجود الإيراني في ملف الاقتصاد الذي يستتبعه نفوذ على القرار السياسي قطعاً، وبدأت أولى خطوات ذلك التغول مبكراً عشية التأسيس، ولكنها ظهرت إلى الوجود حينما قرر حكام الإمارات بإيعاز إيراني ضرب كل التيارات الإسلامية الثقافية بدرجة رئيسية، كتيار الإخوان ممثلاً حينها بجمعية الإصلاح.

يرى الإيرانيون أنه ليس هناك أي قوة ممكن أن تقف في طريق مشروعهم سوى التيارات الإسلامية الثقافية، التي تمثل بالفعل التيار الوحيد القادر على مجابهة المشروع الإيراني ثقافياً و فكرياً و عقائدياً وسياسياً كالإخوان المسلمين الذين لديهم مشروع ثقافي وفكري مكتمل لا يمكن أن يصمد أمامه  مشروع فارسي متلفع برداء الطائفية.

فعمد الإيرانيون مبكراً إلى ضرب التيار الإخواني خليجياً من خلال تضخيم حجم المخاوف بين هذا التيار وحكومات ممالك الخليج، وتضخيم خطر الإخوان على مستقبل هذا الأنظمة، و هو ما أثمر صداما بين بعض هذه الأنظمة وبعض تيارات الإخوان كما هو الحال في الإمارات.

وكانت ثورات الربيع العربي التي صورها الإعلام الغربي بأنها ثورات الإخوان، أهم فرصة ذهبية للإيرانيين لاستخدامها كفزاعة يخوفون بها أنظمة الخليج بخطورة الإخوان، و يخفون من تحتها  تموضعات مشروعهم خليجياً، وهو ما دفع بهذه الأنظمة خاصة في الإمارات ومن ثم المملكة وبقية دول الخليج الأخرى إلى تصديق مثل هذه المخاوف.

بالفعل نحج الإيرانيون وحلفاؤهم الغربيون بضرب تيار الإخوان بالعصا المالية الخليجية، كقوة ثورية فاعلة في بلدان الربيع العربي، كما تبين في انتخابات ما بعد ثورات الربيع التي فاز بها الإخوان في كل من مصر وتونس وليبيا .

اليوم تتجلى أبرز تموضعات هذا التيار و نجاحاته  بالاستمرار بتوسيع الفجوة رغم انكشاف اللعبة للجميع، أن ضرب الإخوان ليس سوى تمهيد المنطقة و تسويتها أمام المشروع الإيراني، كما هو الحال اليوم في اليمن، حيث ضرب الإخوان لتمكين المشروع الإيراني من خلال ذراعهم المسلح جماعة الحوثي.

انكشاف اللوبي الإيراني في الخليج ازداد مع  الإطاحة بعراب هذا التيار المتلفع بالليبرالية خالد التويجري، ولم يبق اليوم من هذا التيار سوى بعض الوسائل الإعلامية وبعض الكتاب المتلبرلين، الذين يخفون مهمة التمهيد للمشروع الإيراني بكرههم للإخوان، ومن ثم لقطر وتركيا كعوائق حقيقية أمام تمددات المشروع الإيراني في المنطقة.

لم يعد بمقدور هذا اللوبي أن يخفي نفسه بعد اليوم؛ لأنه بدا واضحاً أنه يعمل ضد مصالح الأنظمة الخليجية ذاتها، ويتستر تحت لافتة كرهه للإخوان المسلمين الذين يشكلون أكبر قوة منظمة في العالم العربي والإسلامي، ووحدها من يمكنها أن تواجه المشروع الإيراني وغيرها من المشاريع بتوجهاته المختلفة قومية أو مذهبية.

ومن مفارقات هذا التيار أنه قد يظهر لنا أنه يعمل كتيار مزدوج الولاء لكل من إيران و الغرب، وكأن إيران والغرب ليستا ذات توجه واحد تجاه العرب، مع أن شواهد الماضي والحاضر منذ العراق فسوريا فلبنان، تشير إلى واحدية الهدف والاستراتيجية الإيرانية الغربية تجاه الوطن العربي وعقيدته الإسلامية.

 عموماً، يتخذ هذا اللوبي من المنهجية الليبرالية ستاراً لتحركاته وأعماله، ويظهر بوضوح في توجهات قناة العربية وبعض كتاب صحيفة الشرق الأوسط، التي تضخم من خطر القاعدة وداعش كمنتجات إعلامية غربية، وتغض الطرف تماماً عن خطر الإرهاب الإيراني ومليشياتها التي باتت تحتل دولاً عربية بالكامل، وتقتل الناس على الهوية، وباتت خطراً أكبر من داعش بحسب باتريوس ذاته.