نشرت صحيفة ليبراسيون تقريرا حول تعدد الاعتداءات التي يتعرض لها المسلمون في
فرنسا، وقالت إن استعمال كلمة "إسلاموفوبيا" أصبح محل اختلاف، بين من يعُدّها كلمة تعبر عن الواقع، ومن يعُدّها ذريعة لدى
المسلمين لفرض إرادتهم والظهور بمظهر الضحية.
وقالت الصحيفة، في هذا التقرير الذي اطلعت عليه "عربي21"، إن البعض يتهمون نشطاء مكافحة
العنصرية بالمتاجرة بالظواهر الاجتماعية الجديدة، تحت ذريعة مكافحة
الإسلاموفوبيا، حيث نقلت عن "شارب"، أحد رسامي الكاريكاتور الناجين من هجمات شارلي إيبدو، قوله إن "المحتالين باسم الإسلاموفوبيا يحاولون خوض حرب مزيفة ضد العنصرية".
وأضافت الصحيفة أن هذه الكلمة انقسم حولها المسؤولون السياسيون والجمعيات الحقوقية، حيث بات البعض يكثف من استعمالها، بينما يتجنبها البعض الآخر. وأشارت إلى أن هذه الكلمة التي تحرك الأجواء أينما ذكرت ظهرت لأول مرة في فرنسا قبل 15 سنة.
وقالت الصحيفة إن عبارة "إسلاموفوبيا" هي عبارة تم تبنيها من أجل التعبير عن نوع جديد من العنصرية، ليس موجها فقط ضد المهاجرين أو المنحدرين من المغرب العربي، ولكن ضد المسلمين عموما.
وذكرت أنه خلال السنة الماضية أحصت وزارة الداخلية 133 اعتداء ضد المسلمين، مثل حرق المساجد وجرح أشخاص، ولكن في مطلع السنة الجارية، شهد شهر كانون الثاني/ يناير وحده عددا من الاعتداءات، ناهز العدد الذي شهدته سنة 2014 كاملة، وهو أمر عزته الصحيفة إلى "الهجمات التي استهدفت صحيفة شارلي إيبدو والمتجر اليهودي في باريس".
وقالت الصحيفة إن قاموس Le Robert عرف الإسلاموفوبيا في سنة 2005 على أنها " نوع من أنواع العنصرية موجه ضد الإسلام والمسلمين". ولكنها أشارت إلى أن الجدال لا يزال متواصلا حولها، حيث يقول أشرس معارضيها إنها مجرد محاولة من المسلمين المتشددين لمنع توجيه أي انتقاد للإسلام.
ولاحظت أن هذه الكلمة فرضت نفسها على الساحة السياسية، فقد استعملها الرئيس فرنسوا هولاند، في 16 كانون الثاني/ يناير الماضي، خلال حفل اعتماد مجموعة من السفراء، حيث صرح بأن "فرنسا تكافح بلا هوادة ضد العنصرية، والإسلاموفوبيا ومعاداة السامية". ولكنه لم يستعملها مرة أخرى منذ ذلك الوقت.
وفسرت الصحيفة ذلك بأن الرئيس لا يريد تحويل هذه الكلمة إلى قضية محورية أو فزاعة، وقد استعملها مرة واحدة حتى يصف الواقع، الذي يشير بكل وضوح إلى أن "الإسلام أصبح مستهدفا، خاصة من قبل اليمين المتطرف".
في المقابل، ذكرت الصحيفة أن رأي رئيس الحكومة مانوال فالس كان مختلفا، حيث قال إن "استعمال هذا التعبير هو حصان طروادة يحاول بعض المسلمين استغلاله". كما كان فالس قد صرح في سنة 2013 لصحيفة ليبراسيون بأن "المتشددين يعتبرون الاعتداء على المساجد، والسخرية من النبي محمد، ومنع ارتداء النقاب، دليلا على وجود الإسلاموفوبيا، وهذا رأي غير مقبول بالنسبة لنا".
وذكر التقرير أن الصحفية كارولين فورست والكاتب باسكال براكنر، أمضيا سنوات يحاولان التصدي لهذا التعبير، لأنهما يعدّانه "ظاهرة خطيرة تجعل الناس يظنون بأن مكافحة التطرف الديني هي ممارسة للعنصرية".
وأشارت الصحيفة إلى أن كارولين فورست أصدرت كتابا، عرضت فيه تاريخ هذا التعبير، بهدف نسف مصداقيته، ورد فيه أن "ملالي إيران استعملوا هذا التعبير بعد ثورة 1979 لمهاجمة دعاة حرية المرأة الأمريكيين، الذين شنوا حملة ضد انتشار ارتداء الحجاب في إيران. كما تم اعتماد هذا التعبير من قبل المنظمة الإسلامية لحقوق الإنسان لاتهام سلمان رشدي بالإسلاموفوبيا".
من جهة أخرى، ذكرت الصحيفة أن عالم الاجتماع عبد العلي حجاج عبر عن استيائه من تواصل التشكيك في مصداقية هذه العبارة حتى سنة 2015، حيث اعتبر "رفض مانوال فالس اعتماد كلمة إسلاموفوبيا دليلا على عدم اعترافه بشرعية الجمعيات الإسلامية، وخاصة مركز مكافحة الإسلاموفوبيا في فرنسا".
وأضافت بأن عبد العلي نشر في سنة 2013، بالتعاون مع الناشط مروان محمد، كتابا بعنوان "الإسلاموفوبيا"، ذكرا فيه أن هذا التعبير ليس كاملا، فهو يعني لغويا الفوبيا، أي الخوف غير المبرر من شيء ما، بينما الأشخاص الذين يرتكبون هذه الممارسة يكون أغلبهم على وعي تام بعنصريتهم".
وقالت الصحيفة إن هذه القضية شهدت تطورا لافتا في سنة 2013، عندما قررت اللجنة الفرنسية لحقوق الإنسان اعتماد هذا التعبير في تقريرها السنوي، بعد سنوات من التردد وتجنب استعماله.
كما أشارت إلى أن التقرير الأخير لهذه اللجنة، الصادر في نيسان/ أبريل الجاري، تحدث عن تنامي مشاعر العداء لدى الفرنسيين تجاه بعض الشعائر الإسلامية، رغم أنها تعدّ أساسية لدى المسلمين، حيث إن 79 في المئة من المستجوبين يرون أن ارتداء الحجاب يشكل مشكلة اجتماعية، كما عبر 46 في المئة عن امتعاضهم من أداء المسلمين الصلاة، وأظهر 38 في المئة موقفا سلبيا من الصيام في شهر رمضان.
وفي الختام، قالت الصحيفة إن الجدل المحتدم حاليا حول ارتداء الحجاب في الجامعات، وحول وجبات الطعام المدرسية، يؤشر على التوتر الذي يعيشه المجتمع الفرنسي، وهو أمر ظهر واضحا من قرار الرئيس هولاند في مطلع هذه السنة باستعمال عبارة "إسلاموفوبيا" في أحد خطاباته.