مقالات مختارة

قبل مئة عام فقدوا حياتهم

1300x600
نحو 800 ألف أرمنيّ فقدو حياتهم قبل 100 عام في تركيا. و700 ألف آخرين تركوا كلّ أشيائهم وراءهم، ونُفوا خارج البلاد، كان ذلك في عهد "جمعية الاتحاد والترقي"، وهذا الحزب، هو أوّل حزبٍ سياسيّ في العالم الإسلامي الحديث، حيث تمّ نفيُ الأرمن من تركيا كاملة، لتشكيلهم خطراً على الأمن الداخلي للبلاد، وهنالك أسبابٌ متعددة دفعت الأتراك لنفي الأرمن من الأناضول، ومنها تجمعات الأرمن تحت مسمى القومية الأرمنية، والتظاهرات العامة لهم، ثمّ بعد 1916تمّ تجنيد الأرمن في الجيش الروسي وقاموا بمجازر ضد المسلمين، لكن للأسف كلُّ ذلك لا يمكن أن يفسّر نتائج الترحيل الكبيرة للأرمن، ومسلسل القتل الأليم.

وأنا من بين الأتراك الذين يأتون باسم مجازر الأرمن في المحافل الدولية، ومع ذلك فلا أجدُ تفسيراً لاختصار تلك المأساة الإنسانية والسياسية ووضعها في خانة "المجزرة، لاسيما أن مصطلح المجزرة يدخل في المفهوم القانوني وتعريف الحالة، والمهم هنا هو فهم الحالة وامتلاك الشجاعة الكافية في متابعتها واقتفاء أثرها. 

منذ فترة كنتُ نوّهت إلى نقطة وقلت،“سم المجريات كما تشاء، لكن لا تنس وأنت تذكر التاريخ بأن تتحدّث عن الحقائق فقط، فلديك مسؤولية أمام التاريخ ومسؤولية أخلاقية أمام البشر. فهو السبيل الوحيد لإظهار الصفحة الناصعة للهوية التركية. وهو السبيل في إنشاء تركيا الديمقراطية الجديدة، وهذه أكبر خدمة يقدّمها المواطن لوطنه ومجتمعه بتأسيس بلده الجديد."

وانطلاقاً من هذه النقطة فإن مأساة 1915 هي مسؤولية جمعية الاتحاد والترقي، ولا يمكن أن نحمّل تلك المسؤولية للشعب بأكمله. إن كان أحدهم يتّهم الشعب التركي بأكمله، فالأجدى أن يبرهنوا عن حجتهم بالوثائق والدلائل ثم يوجهوا التهمة للشعب، فلا جدوى من جعل عام 1915 وسيلة لنشر البغض والكراهية، أو طمس حقائق ووثائق ذلك العام. منذ عام 2000 يحرص مفكرو تركيا على التطرّق إلى أحداث تلك الحقبة، وتركيا كدولة مازالت تحت الضغوط التاريخية والسياسية. والدفاع الوحيد الذي تستخدمه تركيا هو، إما الإنكار أو تفسير نتائج الأحداث بمعارك حدثت بين طرفين بعد توالي المظاهرات الأرمنية في البلاد.

والآن نحن في عصرٍ جديد، وفي كلّ مرحلة تأتي وتذهب تتأثر الدولة التركية بآثار ونتائج تلك المرحلة، ورأينا المداخلة من بابا الفاتيكان حين وصف تلك الأحداث بالمجزرة، وردّ رئيس الجمهورية والحكومة التركية عليه. كل ذلك له تأثيرٌ سياسي على الدولة التركية.

وفي حادثة جديدة أشارت الدولة التركية إلى قتلى الأرمن في العام المنصرم، وقالت بأنها تشارك أحزان أقرانهم، وفي هذه السنة الجديدة بالتحديد وجّه رئيس الوزراء أحمد دواود أوغلو رسالة بمناسبة اغتيال صحفي أرمني في اسطنبول عام 2007.

حيث أفاد فيها "من الممكن كشف حقائق المسؤولين عن المأساة التي مرّ بها الأرمن إبان الحرب العالمية الأولى. للأسف يحاول الكثيرون رمي تهمة المجزرة على الشعب التركي، وذلك من خلال التعميم، حتى إنهم ينشرون البغض ضدّ شعبنا، وهذا العمل يخالف الضمير والوجدان."

ومن أهم ما ورد في رسالة داود أوغلو هو " إن تركيا مستعدة للتعاون في كشف كل الأدلة والوثائق ليأخذ العدل مجراه، وكما أنها مستعدة للاستماع لجميع الآراء والأفكار والنقد بخصوص هذا الموضوع. كلّ هذه المبادرات الإيجابية منّا، ستكون من أجل إنشاء مستقبل رغيد."

ومن رسالة داود أوغلو نستنتج أننا ننظر إلى القسم الفارغ من الكأس، ولكنه على وشك الامتلاء.


عن صحيفة يني شفق التركية/ ترجمة وتحرير عربي21