كشفت منسقة البحث الاستقصائي في مركز تجديد الديمقراطية
الإسرائيلية "مولاد"، ليات شليزنجر أن "الصهاينة" المسيحيين يتمتعون بنفوذ هائل داخل السياسة الإسرائيلية، ومع ذلك فلا يكاد يذكر شيء عن نشاطاتهم، ولا يعرف الجمهور الإسرائيلي شيئا تقريبا عن ارتباطاتهم الواسعة والممتدة باليمين الإسرائيلي وبالبرلمان – الكنيست، ما يجعلهم لاعبا قويا داخل الحياة العامة الإسرائيلية ولكن غير مرئي.
وقالت شليزنجر في بحثها المنشور في "مولاد" إن زعماء الصهيونية المسيحية نجحوا خلال العقد الماضي في تطوير علاقات متينة مع كبار السياسيين والمسؤولين الإسرائيليين، الأمر الذي سمح لهم بتشكيل أجندات أعضاء الكنيست والتأثير على علاقات إسرائيل الخارجية. ولقد تمكنت الجماعات الصهيونية المسيحية من خلال استثمار ثروة صغيرة في بناء شبكة تنظيمية في إسرائيل من التمتع بنفوذ هائل في مسار السياسات المتعلقة بالشرق الأوسط. ومع ذلك يبقى تأثيرهم على المؤسسات الإسرائيلية الرسمية مخفيا عن أعين الجمهور، رغم أن هذا الجمهور ذاته هو الذي يعاني من تداعيات تنامي دور الأصوليين المتدينين في رسم السياسة المحلية.
وفي تقريرها الاستقصائي بحثت شليزنجر في كيفية عمل اللوبي الصهيوني المسيحي داخل إسرائيل: بما في ذلك بنيته التنظيمية، وحلفاؤه، وأعماله. كما أنها قامت بتحليل تداعيات تدخل الصهاينة المسيحيين في السياسة الإسرائيلية وفي الحياة فيها.
ويسعى التقرير للإجابة عن أسئلة مثل: من هم اللاعبون الأساسيون؟ وما هي محفزاتهم الأيديولوجية والدينية؟ ومن الذي يمولهم؟ ومن هم حلفاؤهم الرئيسيون؟ والأهم من ذلك كله: لماذا رغم النشاطات الواسعة التي يقومون بها داخل إسرائيل، فلا يسمع الجمهور إلا النزر اليسير عنهم؟
وتضيف: "يعمل اللوبي الصهيوني المسيحي في الأغلب من وراء الكواليس تحت غطاء الدعم غير المشروط ولا المحدود لدولة إسرائيل. ولكن في الواقع، لا تروج هذه الجماعات للمصلحة العامة لإسرائيل وإنما تحديدا للرؤية السياسية للجناح اليميني الاستيطاني الإسرائيلي. ولهذا السبب فإن معظم الارتباطات المالية والسياسية للصهاينة المسيحيين موجودة مع اللاعبين داخل الجناح اليميني: سواء داخل الأحزاب أو داخل المنظمات غير الربحية أو داخل المجالس المحلية".
أما عن الدافع فتقول: "المسيحيون الصهاينة يعتقدون أن إقامة المستوطنات اليهودية في كل أرض إسرائيل التوراتية إنما هو شرط أساسي لقدوم المسيح تارة أخرى.
وعن العلاقات الأمريكية الإسرائيلية وأثر هذا التحالف عليها، يقول التقرير إن هذه المنظمات التي تتمتع بتمويل كبير جدا لها تأثير في غاية الخطورة على القرارات الخاصة بالسياسة الخارجية، ما يمنح الجناح اليميني الاستيطاني في إسرائيل صوتا قويا ونافذا بشكل غير مسبوق في واشنطن. فعلى سبيل المثال تجدهم يمارسون ضغوطا هائلة على البيت الأبيض، بغض النظر عن الانتماء السياسي للرئيس، للحيلولة دون إحراز أي تقدم في التسوية السياسية بين إسرائيل والفلسطينيين. ولعب الصهاينة المسيحيون دورا رئيسا من وراء الكواليس في تفجير الأزمة ما بين
أوباما ونتنياهو قبيل الانتخابات العامة الإسرائيلية لعام 2015.
وتتابع: "لو وضعنا الأيديولوجيا جانبا، لبات معروفا أن عضو الكنيست المرتبط بالجماعات الصهيونية المسيحية يتمتع بكم كبير من المنافع، وذلك أن مؤسسة حلفاء إسرائيل ومن على شاكلتها من المنظمات الكثيرة ترتب من حين لآخر رحلات طويلة لأعضاء في الكنيسيت إلى وجهات جذابة ومذهلة حول العالم، وبعض هذه المنظمات تضيف إلى ذلك تمويلا مباشرا. في المقابل، يقوم عضو الكنيست المستفيد من هذه المنافع بدعم مصالح هذه الكنائس المختلفة داخل إسرائيل".
ويضيف أنه "يمول الصهاينة المسيحيون بسخاء المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية. ففي الأعوام القليلة الماضية تدفقت عشرات الملايين من الدولارات الأمريكية على المستوطنات لتمويل مشاريع متنوعة داخل المستوطنات التي هي غير قانونية حتى بحكم القانون الإسرائيلي نفسه، ويعمل اللوبي الصهيوني المسيحي داخل إسرائيل بشكل وثيق مع وحدات جيش الدفاع الإسرائيلي ويدعم المنظمات التبشيرية، والمنظمات غير الربحية المناهضة للإجهاض، والمنظمات المعارضة للمثليين، ويدعم الحركات التي تسعى لإنشاء الهيكل الثالث فوق جبل الهيكل بهدف إشعال حرب مع الإسلام على مستوى العالم".
وختم التقرير بأنه "وفوق ذلك كله، فحدث ولا حرج عن العمليات التي تجري داخل الجناح اليميني في إسرائيل بفضل هذا التحالف السياسي. أولا، إنه بسبب الروابط المالية الواسعة لليمين مع الصهاينة المسيحيين، فإن النقد الموجه إلى اليسار الإسرائيلي بسبب تلقي مساعدات خارجية يجرى إسكاته أو إخماده. وثانيا، إن شراكة اليمين مع القوة الوحيدة في السياسة الأمريكية التي ترفض حل الدولتين للصراع الإسرائيلي الفلسطيني إنما هي مؤشر آخر على تنامي المسافة، وبشكل غير مسبوق، بينه وبين الحلفاء التقليديين في الغرب الليبرالي. وثالثا، إن الوقوف على أرضية أيديولوجية مشتركة مع جماعات على هامش السياسة العالمية إنما هو مؤشر على المنحنى الديني المتطرف الذي انزلق نحوه اليمين الإسرائيلي خلال العقود الأخيرة.