كان لافتاً وعلى غير العادة، مستوى التصعيد في الخطاب على لسان المرشد السيد الخامنئي ـ أعلى سلطة سياسية دينية في
إيران ـ عندما هاجم السعودية واصفاً ما تقوم به في
اليمن بأنه "مشابه للجرائم الصهيونية في غزة.."، مؤكداً أنها "ستتلقى ضربة في اليمن، ويُمَرَّغ أنفها في التراب".
تلك الكلمات قوية الدلالة والمعنى، رفعت سقف المشهد الدرامي الإقليمي من البوابة اليمنية؛ حيث التوعد بتمريغ أنف السعودية وإنزال الهزيمة بها. وهنا من المفترض أن نتوقع سلوكاً إيرانياً ميدانياً يقلب المعادلة، أقلها في اليمن التي تشهد تقدماً في العمليات الجوية والبرية لصالح تحالف
عاصفة الحزم بقيادة السعودية، وأبعده اللعب بأحشاء السعودية الداخلية من خلال الاعتماد على الولاءات المذهبية في شرق السعودية أو البحرين الحليفة للرياض.
عند التوقف أمام ذلك الخيار "المفترض" لتصريحات السيد الخامنئي، والنظر في إمكانية إنفاذه من الناحية العملية، فإنه يقودنا إلى مجموعة من التحديات التي لا بد من النظر فيها:
• أولاً: الإمكانات المادية والعسكرية للتحالف الذي تقوده السعودية، وسيطرة عاصفة الحزم على الأجواء والمياه الإقليمية لليمن، لأكثر من أسبوعين، وانتقال السعودية إلى ترتيب صفوف قطاعات من الجيش اليمني الموالي للرئيس عبدربه منصور هادي، بالإضافة للمقاومة الشعبية، والقبائل الموالية، لخلق قوات برية يمنية قادرة على مواجهة الحوثيين والقوات الموالية للرئيس السابق على عبدالله صالح.
• ثانياً: تَعْلم إيران أن القوة الحقيقية التي تقاتل التحالف في اليمن، هي قوات الجيش والقبائل الموالية للرئيس السابق على عبد الله صالح، وليست الحوثيين رغم تصديهم للمشهد السياسي والإعلامي. وهذا في حد ذاته عامل مقلق لطهران خاصة إذا فكر "صالح" في الانسحاب من المواجهة أمام قوة واندفاع السعودية وحلفائها في اليمن، وذلك بتضحيته بالحوثيين في صفقة لإنقاذ نفسه من مأزق مفترض في ظل تصاعد العمليات الجوية والبرية للتحالف، والحصار الخانق الذي تقوم به عاصفة الحزم لناحية تقطيع خطوط الإمداد من الجو والبر والبحر. وهو أمر لا تستبعده طهران في سلوك "صالح"، الذي لطالما لعب بورقة الحوثيين والقاعدة لحفظ مصالحه في اليمن؛ وفي هذا السياق لا بد من الإشارة إلى خروج الأمين العام المساعد لحزب المؤتمر الشعبي، ووزير الخارجية الأسبق أبوبكر القربي ـ بإيعاز من صالح ـ لزيارة موسكو وبعض العواصم الأخرى للبحث في وقف العمليات العسكرية والحل السياسي. فهل التضحية بالحوثيين خيار يحمله أبوبكر القربي؟ أم أنه خرج لحشد التأييد السياسي لتحالف صالح والحوثيين في مواجهة السعودية وحلفائها؟
• ثالثاً: رغم نجاح الدبلوماسية الإيرانية، باستقبال الرئيس التركي أردوغان وطرحهم لخيار الحل السياسي في اليمن، بالتوازي مع زيارة وزير خارجيتها "محمد جواد ظريف" لباكستان لإقناعها بأهمية الحل السياسي ـ وهو الأمر الذي أخذ به البرلمان الباكستاني في توصيته بشأن اليمن ـ إلا أن كلاً من الرئيس أردوغان ورئيس الوزراء نواز شريف أكدا في مكالمة هاتفية جرت بينهما على استعدادهما "الرد بقوة على أي انتهاك لوحدة الأراضي السعودية"، أي أن تركيا وباكستان مستعدتان لتقديم شبكة أمان عسكرية لحماية الأراضي السعودية من أي تهديد قد تتعرض له من قبل إيران. وفي ذات السياق فقد رشحت معلومات تفيد بأن رئيس الوزراء "نواز شريف"، وقائد الجيش الباكستاني "راحيل شريف" أبلغا وزير الخارجية الإيراني "ظريف" أثناء زيارته لإسلام آباد أن أي مفاوضات وحوار بين الأطراف اليمنية يجب أن يكون وفق الصيغة السعودية وشروطها؛ وهي انسحاب الحوثيين من العاصمة صنعاء، والأماكن التي سيطروا عليها، وتسليم السلاح للدولة اليمنية، ووقف التمويل الخارجي للحوثيين، الذين وصفهم رئيس الوزراء الباكستاني بأنهم ميليشيات متمردة على الدولة.
• رابعاً: اتفاق الإطار "لوزان" بين طهران والدول (5+1)، هو اتفاق أزمة ولا يعبر عن قناعات سياسية إيرانية؛ فقد نقل مؤخراً مدير وكالة المخابرات الأمريكية "جون برينان" أن الموافقة الإيرانية على اتفاق "لوزان" جاءت بعد تحذير الرئيس روحاني للسيد الخامنئي من أن "الاقتصاد الإيراني بات على شفير الانهيار". فإيران ملفاتها ما زالت مفتوحة في كل من العراق، وسورية، ولبنان التي يعاني فيها حزب الله من تراجع التمويل الإيراني الذي يستثمره في كسب الولاءات على الجبهة المسيحية، وفي قطاع الإعلام، وحتى عند بعض الشخصيات السنية ليوفر لنفسه شبكة أمان داخلية. وهذا ربما يفسر عدم رضا المرشد السيد الخامنئي على اتفاق الاطار، وذهابه حتى التشكيك في إمكانية نجاحه، لتقديره أن الاتفاق مقدمة لسلب إيران مشروعها النووي الاستراتيجي، مقابل وعود برفع الحصار تدريجياً وفقاً لتقارير مفتشي وكالة الطاقة الذرية.
• خامساً: عند المقارنة بين سورية واليمن من حيث الأهمية الاستراتيجية لإيران، فإننا نعتقد أن سورية مُقَدّمة على اليمن لكثير من العوامل ومنها الجغرافيا السياسية؛ فسورية تجسد قلب الهلال الشيعي بالنسبة لإيران، وهي أنبوب الأكسجين والقلعة الحصينة بالنسبة لحزب الله في لبنان، وهي الدولة التي تملك حدوداً مع فلسطين والأردن وما يعنيه ذلك من أهمية في الصراع مع الكيان الإسرائيلي. وإذا أخذنا بالاعتبار فشل قائد الحرس الثوري الإيراني "قاسم سليماني"، وقوات حزب الله في السيطرة على منطقة حوران السورية رغم الحشد العسكري والإعلامي في آذار/مارس الماضي، وسقوط محافظة إدلب في يد المعارضة السورية مؤخراً، فإننا نعتقد أن وضع النظام السوري وإيران وحزب الله في مأزق، وهذا ما دفع السيد حسن نصر الله في مقابلته مع "الاخبارية" السورية قبل أيام، للقول بأن "معركة القلمون هي حاجة سورية لبنانية مشتركة"، مترافقاً ذلك مع معلومات تفيد بأن حزب الله أعلن الاستنفار مؤخراً بين صفوفه استعداداً لمعركة القلمون التي أصبحت على ما يبدو وشيكة.
في ظل تلك التحديات الجدية التي تواجهها طهران يصبح السؤال ملحاً، هل طهران فعلاً قادرة على الإيفاء بما قاله المرشد السيد الخامنئي تجاه السعودية بأنها "ستتلقى ضربة في اليمن، ويُمَرَّغ أنفها في التراب"؟
أم أن ذلك التصريح تعبير أن أزمة حقيقة تعيشها إيران، نتيجة سوء تقديرها للسلوك السعودي المفاجئ والصادم عبر عاصفة حزمها في اليمن، الأمر الذي أعاد خلط الأوراق في طهران، وقلب اتجاه المسير الذي كان يظن المرشد السيد الخامنئي أنه قارب على الوصول إلى الهدف المنشود بدولة من القوقاز حتى بحر العرب؟
الأيام القادمة تحمل الإجابة، لكن بلا شك أن إيران دولة طموحة وصاحبة مشروع إقليمي بقطع النظر عن وصف مشروعها بالمذهبي أو الفارسي، فهي دولة تمتلك إمكانات مادية، وقدرات سياسية عالية، وتتمتع بنفس عميق، وتتحلى بالصبر والجلد ما يعينها على إجادة لعبة حافة الهاوية مع خصومها حتى الرمق الأخير.
* كاتب فلسطيني