لم يبق في دوائر النظام السوري مكان لحقوق المراجعين وأصحاب المصالح، بل أصبح الابتزاز كالبورصة ينخفض ويرتفع حسب العرض والطلب، والقانون الموجود ليس إلا أحد المؤثرات التي قد تسهم سلباً في رفع أسعار "الجزية" التي يفرضها مدير الدائرة وموظفوه على المتعاملين.
هذا ما يقوله "غدير"، خلال حديث لـ"عربي21" عن عمله معقّبًا للمعاملات العقارية في جبلة الساحلية، حيث لا يسمي ما يدفعه رشوة، بل جزية أو إتاوة فرضها عليهم أولئك البيروقراطيون "محدثو النعمة" في مديرية المصالح العقاريّة.
فالمعاملة مهما كانت دقيقة وقانونيّة، فإنها تخضع لمعايير الرشوة التي يفرضها عليه الموظفون، ولا سبيل للعمل معقّبًا للمعاملات العقارية دون دفع ذلك المال ولو حتّى لمعاملةٍ واحدة.
وفي معرض إجابته عن الصفقات غير القانونيّة التي تجري في المديريّة، يجيب "غدير": "الكثير الكثير وبشكلٍ يومي،
عقارات تباع دون حضور أصحابها، وضرائب تشطب، أو تخسر أصفاراً بالجملة".
وعن تلك العقارات التي تباع، يبيّن غدير لـ"عربي21" أنّ أصحابها خرجوا من البلاد هرباً من النظام، وهرباً من شبيحته، حيث يجري الآن في الساحل حركة "تطفيش" واسعة، فيما يسهّل النظام خروجهم عبر البحر إلى تركيّا، أو إلى لبنان عبر البر.
وأوضح أن هناك "حيتانا" متخصصين بهذه العقارات، فهم يعرفون جيّداً تلك البيوت التي غادر أصحابها البلاد، ويبدأون معاملة البيع، والنقل، والتزوير، والرشاوى، حتّى يتم لهم الأمر، فمنهم من يمتلك الآن عشرات البيوت، أو بالأحرى قام بنقلها في الصحف العقاريّة لتصبح باسمه.
يقول "غدير" عن مدى معرفة مسؤولي النظام وقضاته بهذه الأفعال: "لا شيء رسميا يبيح هذا، لكن هناك أشخاصا محددين يُباح لهم هذا الأمر، والجميع يعرف بما يفعلون: المدراء، والقضاة، والقوى الأمنيّة، والجميع ينال حصّته بشكلٍ مدروس، وحتى أرفع المستويات. هناك خطّة لنقل جميع هذه الملكيات مع مرور الزمن".
يتابع "غدير" حديثه مع "عربي21" قائلا: "هناك من اعترض على مثل هذه السرقات، فقد تم تزوير بيع شقّة لعائلة نزحت لتركيّا بسبب الضغط عليها من قبل النظام. فهم كانوا معارضين منذ زمن بعيد، وعندما قام (شقيق) صاحب الشقّة بالاعتراض في المحكمة العقارية، وتهديد مغتصبي الشقّة، اعتقله الأمن العسكري، وغاب في السجون لثلاثة أشهر، ومن ثم خرج بعد أن تعهد بعدم التعرّض لصاحب الشقة (مغتصبها) الذي كان حاضراً في المفرزة وقت خروجه، وهدده شخصيّاً أمام عناصر الأمن بأنّه سيصفّيه فيما لو نطق حرفاً واحداً فيما يخصّ هذا الأمر".
ويقول "غدير" إن هناك الكثير من هذه القصص على هذا النحو، وتشمل شققا وأراضي وسيارات، "وكل شيء يخطر في بالك يتمّ الآن الاستيلاء عليه بهذه الطريقة التي جعلها النظام قانونيّة".
هذه مكافآت النظام لرؤوس "التشبيح" في الساحل، حسب قول "غدير"، وهذه "خطتّه التي تقضي بجعل هذه البلاد بلاداً للعبيد" كما يقول.
"غدير" واحد من الناس البسطاء الذين يحاولون كسب لقمتهم بالحلال، لكن لا جدوى في دولة البعث لمثل هذه الأمور، بحسب تقديره.
وينهي "غدير" كلامه لـ"عربي21" بالقول: "بعد الإصلاحات التي قام بها النظام مؤخراً أصبحت الرشوة جزءاً من القانون، وأصبح الموالون درجة أولى، والحياديّون فئة منكوبة، عليهم إثبات ولائهم أولاً ليستطيعوا البقاء والعيش".