بينما ينصرف التركيز الإعلامي إلى الأعمال العسكرية، وعمليات الإعدام التي يقوم بها
تنظيم الدولة في
سوريا، تجري عمليات واسعة بعيدا عن الأضواء، لتغيير عقول جيل كامل من الذين يعيشون في مناطق سيطرة التنظيم، عبر سياسات
التعليم.
وأصدر التنظيم بداية العام الدراسي 2014- 2015؛ جملة قرارات في مجال التعليم، منها إجراء دورات شرعية، وحذف بعض المواد، و"تهذيب" بعضها الآخر، ليختمها بقرار إغلاق مدارس "الجمهورية العربية السورية"، وطمس كل ما يشير إلى الجمهورية العربية السورية من قريب أو بعيد في المناهج، على أنْ تُتْبَعَ هذه الخطوة لاحقاً بفتح المدارس بحلة جديدة تحمل صبغة ما يسمى "الدولة الإسلامية"، بعد تغيير المناهج، والمعلمين، وأسماء المدارس، والفصل الجذري بين الذكور والإناث على كافة المستويات.
يقول المعلم عماد، من مدينة منبج في ريف حلب الشرقي، لـ"عربي21": "كل إجراءات التنظيم أثرها آني ومحدود نظراً لفرضها بالإكراه، ورفض المجتمع السوري لها، غير أنّ آثار التعليم ستكون كارثية، وطويلة الأمد، لكونها تستهدف أطفالاً لا يملكون حصانة فكرية أو ثقافية".
ويتابع: "قام التنظيم بتغيير أسماء المدارس، فسماها بأسماء المعارك، والصحابة رضوان الله عليهم، والشخصيات الجهادية كأبي مصعب الزرقاوي، وأسامة بن لادن، وأحرق الوثائق والكتب الموجودة في المدارس، مدعياً تطهيرها، بانتظار افتتاحها على منهجية إسلامية".
ولعل الخطوة الأعمق أثرا، هي قيام التنظيم بتشكيل لجان مهمتها تأليف مناهج دراسية وفق رؤية التنظيم الفكرية والعقائدية، ما سيترك آثاراً على أجيال كاملة من السوريين إن طالت سيطرة التنظيم. فالتنظيم يركز -حسبما رشح عن هذه المناهج- على غرس العقيدة الجهادية وفق فهمه.
ويقول المدرس إبراهيم، من ريف حلب الشرقي، لـ"عربي21": "المناهج تعبر عن رؤية الدولة الاستراتيجية، فمستقبل الأمم يخطط من خلال المناهج. وكانت المناهج السورية تركز على القومية العربية، أما التنظيم فيركز على زرع الفكر المتطرف الإقصائي الذي يرفض الآخر"، ما يهدد بحدوث شرخ فكري بين الأجيال، وبين السوريين ضمن الجيل الواحد لاختلاف المناهج تبعاً للجهة المسيطرة.
يدرك التنظيم جيداً عمق خطواته في مجال التعليم وأثرها على المجتمع، إذ ترتكز المنظومة التعليمية على رؤوس المثلث (المعلم، المنهج، الطالب)، فقام بتغيير المناهج، وأجرى دورات شرعية لكل المعلمين والمعلمات ليكتشف لاحقاً أنّ هذه الدورات الشرعية لم تؤتِ أُكلها، ما اضطره لإصدار قرارات جديدة تميزت بقسوتها، ونبرتها التهديدية، وطالبت المعلمين كافة بإعلان التوبة أمام التنظيم، والخضوع لدورة استتابة.
ويشرح المعلم عبد الحي، من ريف حلب الشرقي، قائلا لـ"عربي21": "الغريب أنّ التنظيم لن يسمح لكلّ المعلمين الخاضعين لدورة التوبة باللحاق بمدارس التنظيم مهما كانت خبرتهم العلمية، إذ اشترط عليهم الولاء للتنظيم أولاً وآخراً".
ومؤخراً قام التنظيم باستقبال طلبات التوظيف من الشباب والخريجين الجدد للعمل كمدرسين في مدارسه، وقبل يومين أعلن التنظيم أن المدة المحددة لقبول الاستتابة قد انتهت في الرقة.
ورغم الأوضاع المادية السيئة للسوريين عموماً، والمعلمين خصوصاً، فإنّ غالبية المعلمين رفضوا العمل في هذه المدارس، وقلّة منهم قبِلوا العمل، فقد اضطرتهم الظروف المادية أو الخوف من تبعات رفض التعليم في مدارس التنظيم، فيما فضّل قسم من المعلمين التعليم في مدارس التنظيم بدلا من ترك أبناء الوطن بلا تعليم بالمطلق.
وفي هذا السياق، يقول أبو إبراهيم، مدير مدرسة في ريف حلب الشرقي، لـ"عربي21": "المعلم يمثل الحلقة الأضعف، فهو ريشة تتقاذفها عواصف عدة، فالمعلم بين خوفه (من) قطع رزقه من النظام وقطع رأسه من التنظيم، كما أنّ الخريجين يجلسون منذ أعوام من دون عمل، فتوقفت عجلة الحياة عندهم".
ويبقى الرأس الثالث في العملية التربوية، وهو الطالب، عجينة لينة سهلة، قابلة للتشكل وفق ما يريده التنظيم، بعد أنْ برمج المنهج والمعلم تبعاً لنظريته الاستراتيجية. ومما زاد في قلق الأهالي، الشائعات المتداولة عن نية التنظيم معاقبة الأهالي الذين يمتنعون عن إرسال أبنائهم لمدارس التنظيم.
وتقول أم محمد، وهي نازحة تقطن في مناطق تنظيم الدولة في ريف حلب الشرقي: "أريد أن يصبح ابني طبيباً أو مهندساً أو معلماً، ولا أريد منه أن يصبح مقاتلاً أو إرهابياً، ولا نستطيع أن نقول لأبنائنا إنّ الأفكار التي سيتعلمها خاطئة، كما لا نستطيع الهجرة لمكان آخر، ولا نعرف ماذا نفعل".
ويحذر مدرسون ومختصون من أن السياسة التربوية التعليمية للتنظيم ستترك آثاراً خطيرة جداً على الأطفال، ومن المؤكد أنّ قسماً كبيراً من الجيل سيتشرب الفكر الجديد، ولا يستبعد أن يكون أكثر تطرفاً وتشدداً من سابقه، كما ستكون أعدادهم أكثر بكثير من الموجودين على الساحة حاليا.