يُعد "
المهاجرون" من أبرز عوامل قوة تنظيم "الدولة" في
سوريا، إذ يتميزون بالولاء المطلق لفكر التنظيم، والاستعداد للتضحية. فمنهم من طلب "الجهاد على أرض الشام"، أو العيش في "جنة دولة الخلافة"، أو الانتقام من "أعداء الله"، أو الهرب من واقعه أو البحث عن مجد ومغامرة، أو كل ذلك معاً أو بعضه.
أدرك التنظيم قوتهم، فعمل على جذبهم ثمَّ دمجهم في المجتمع الجديد. فالولاء والانتماء في "الدولة الحلم" هو على أساس الدين، لتنصهر وتذوب كل الانتماءات والولاءات والقوميات في هذه "الدولة".
شجَّع التنظيم "المهاجرين" على الزواج من السوريات، وقدم لهم كل التسهيلات، من تأمين البيت مع أثاثه ودفع مهر العروس، لربطهم بـ"دولة الخلافة" أولاً، وليقطع عليهم خط الرجعة ثانياً.
يقول المحامي عبد الرزاق من ريف
حلب الشرقي: "التنظيم لا يشجع زواج المهاجرين فحسب، بل الأنصار (السوريين) أيضاً، فهو يحث عناصره جميعاً على الزواج من أربعة، ويتعهد بدفع مهر الزوجات جميعاً، ويتكفل بمنح التعويضات لهن ولأولادهن، بل ويتكفل بالسبايا" حسب تعبيره، فالتنظيم يرسم خريطة اجتماعية جديدة للمجتمع تضمحل فيها القناعات السابقة.
ولم تقتصر محاولات الدمج من جانب التنظيم على الناحية الاجتماعية، فالمعسكرات، التي تُقدِّم تدربيات عسكرية ودروسا شرعية، مشتركة للجميع، وكذلك المدربون من كل الجنسيات، فالهدف مشترك.
ويقول أبو همام الأنصاري، أحد عناصر التنظيم في ريف حلب الشرقي: "الهدف لم يعد ضيقاً كالسابق ومحصوراً بإسقاط الأسد، وإبعاد النفوذ الإيراني عن الشام والعراق، فالهدف غدا أسمى من ذلك، الهدف إقامة خلافة إسلامية تمتد لكل أرض الإسلام" حسب تعبيره.
لكنَّ الواقع حال دون سير الأمور وفق ما سعى إليه التنظيم، وتمناه "المهاجرون"، فما زال المجتمع السوري عموماً يرفض تزويج هؤلاء، وبقيت حالات الزواج محدودة وفي نطاق ضيق.
ويقول المدرس حسان، من ريف حلب، لـ"عربي21": "يندر أن تجد حالة زواج تمت خارج نطاق التنظيم، وما جرى خارج هذا النطاق يعود غالباً لأسباب مالية أو أمنية"،ويشير إلى أن هذه الزيجات غالباً ما تكون للعرب ولا سيما الخليجيين، فعاداتهم وطباعهم قريبة من المجتمع السوري وخاصة في المناطق الشرقية.
لكن حسن النيفي، رئيس المكتب السياسي لمحافظة حلب الحرة السابق، يؤكد لـ"عربي21" أن "المهاجرين هم طارئون على المجتمع (السوري)، وزواجهم من سوريات هو لرغبات جسدية ليس إلا، وهذه سنتهم في كل البلدان التي دخلوها، يستهترون بقيم البلد وكرامته" وفق تقديره.
ونشأت ردات فعل من "المهاجرين" الأجانب الذين جاؤوا بعائلاتهم، ممن يرفضون تزويج بناتهم للأنصار (السوريين)، مما يدل على الشرخ وعدم الثقة بينهما، وربما تعود عدم الثقة هذه لمعرفتهم أسباب انتساب المقاتلين السوريين للتنظيم، وهي في معظمها ليست عقائدية، وفق ما يرى البعض.
ويقول حسن النيفي: "إن أغلب الأنصار هم من شذاذ الآفاق، وانتسبوا للتنظيم طمعاً برواتبه أو تغطية لجرائمهم السابقة. والمهاجرون يدركون هذا الشيء، لذلك يعتبرونهم درجة ثانية في مجتمع التنظيم فعلياً وليس نظرياً".
وتشكل اللغة عائقاً آخر أمام اندماج "المهاجرين"، فما زالوا يشعرون بالغربة، وغير قادرين على التكيف داخل المجتمع الجديد.
ويوضح الشيخ أبو عبد الله، من مدينة منبج في ريف حلب الشرقي، لـ"عربي21" أنه حالت طبيعة المجتمع الذي يسيطر عليه التنظيم في سوريا (العشائري القبلي) دون اندماجهم، فللمجتمع العشائري اعتبارات وقيم أخرى عدا الرابطة الدينية، ولذلك مال كثير من "المهاجرين" للعيش في مجتمع ضيق، فشكلوا كانتونات أشبه بالمستوطنات في مساكن الطبقة وسد تشرين ومسكنة والباب وجامعة الاتحاد وغير ذلك، فهذه المساكن لا يسكن فيها سوى عناصر التنظيم، وجلهم من "المهاجرين"، قبل أن يقوم التحالف الدولي باستهدافها مؤخراً، ما اضطرهم للسكن بين أبناء البلد.
وتحاول نساء "المهاجرين" ملء الفراغ بالقيام بأعمال ونشاطات أخرى تدعم التنظيم، ولا سيما إذا علمنا أنّ الزوج قد يغيب عنها أسابيع طويلة في الجبهات.
ويذكر أبو محمد الأنصاري أن "أغلب العاملات في مطابخ التنظيم من المهاجرات اللواتي يطبخن للمجاهدين على الجبهات"، حسب تعبيره، مضيفا: "كما أنّ لهن برامج ثقافية ومهنية يتعلمن فيها اللغة العربية والقرآن والخياطة وما شابه ذلك".
ومعارك التنظيم المستمرة تقف عائقاً دون الاندماج، فـ"المهاجر" يستغل أوقات الإجازة بالجلوس مع زوجته وأولاده، وربما يكون التسوق والمسجد هما المظهران الوحيدان اللذان يحتك بهما "المهاجر" مع أبناء البلد.
ويبدو أنّ التنظيم لا يعول كثيراً على اندماج "المهاجرين"، بل على أبنائهم الصغار، لذلك نسف التنظيم المناهج التعليمية السابقة، وأصدر مناهج جديدة لا ذكر فيها لسوريا أو العراق، إنما التركيز على الانتماء لـ"الدولة الإسلامية".
وفي هذا الصدد، يقول المدرس محمود، من ريف حلب الشرقي: "بما أنه من المُحال محو الذاكرة وإتقان اللهجة المحلية، ونسيان التجارب والمفاهيم السابقة والتخلي عنها بشكل جذري عند الآباء، فإنَّ الأمر جد سهل عند الأبناء الذين يتربون منذ نعومة أظفارهم على فكر التنظيم".