ثار جدل كبير الأيام الماضية داخل أروقة مجلس الأمن الدولي، سواء قبل عقد جلسته على مستوى التحرك الدبلوماسي، أو داخل أروقته أثناء الجلسة.
إذ حاول نظام الرئيس
المصري عبد الفتاح السيسي استغلال واقعة ذبح 21 مصريا في
ليبيا على مجموعة مسلحة قالت إنها تنتسب لتنظيم الدولة الإسلامية على شواطئ "ولاية طرابلس"، حسب رواية
تنظيم الدولة، وذلك للمّ شمل تحالف دولي يدفع باتجاه التدخل العسكري في ليبيا، بدعوى القضاء على بؤر الإرهاب في ليبيا.
إلا أن المحاولة باءت بالفشل بعد صدور بيانات استباقية من حكومات بعض الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية بدعم الحل السياسي تحت مظلة بعثة
الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، وتحفّظ قطر على بيان لجامعة الدول العربية يدعو إلى تسليح الجيش الليبي التابع لمجلس النواب المنحل، وتفهّم موقف مصر في توجيه ضربة عسكرية لمواقع قالت إنها معسكرات ومخازن أسلحة لتنظيم الدولة الإسلامية في مدينة درنة.
كما أن دول الجزائر وتونس وبريطانيا، دعمت كلها الحل السياسي، مؤكدة أن الحل العسكري سيزيد ويعمق من تفاقم الأزمة الليبية، إضافة إلى تهديد مصالح دول جوار ليبيا، وهي دول أغلبها هش، سيصعب عليه تفادي تداعيات تدخل عسكري في ليبيا.
جاء تسريب مكتب وزير الدفاع السابق والرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي عن دور النظام المصري في زعزعة استقرار ليبيا، ودعم منسق العلاقات الليبية المصرية السابق أحمد قذاف الدم، في إسقاط المؤتمر الوطني، لتلقي بظلها عن الدور المصري الرامي لدعم الانقلاب العسكري الذي يقوده اللواء المتقاعد خليفة حفتر في ليبيا قبل ظهور مسألة تنظيم الدولة بقوة في ليبيا.
الأردن كمعطل
وزعت بريطانيا مشروع بيان على الدول الأعضاء بمجلس الأمن يدعم الحل السياسي في ليبيا، ويدعو أطراف الأزمة الليبية إلى المشاركة في الحوار الذي يجريه المبعوث برناردينو ليون، الجمعة، إلا أن الأردن اعترض عليه وعطله.
وسبق مشروع البيان الذي تقدمت به بريطانيا تفجيرات في مدينة القبة، أعلن تنظيم الدولة ولاية برقة مسؤوليته عنها، أودت بحياة العشرات ما بين قتلى وجرحى. مما منح الأردن فرص تعطيل البيان البريطاني، حيث إن التفجيرات استهدفت مديرية أمن القبة، وهي المدينة التي ينتسب إليها رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح.
إصرار دولي
صدرت بيانات من الولايات المتحدة الأمريكية على لسان المتحدثة باسم خارجيتها جين ساكي، وبيان لبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، تمسكت كلها بالحل السياسي مخرجا وحيدا من عنق زجاجة الأزمة الليبية، مستبعدة الحل العسكري خيارا دوليا في الوقت الراهن. حيث إن عملية القبة الانتحارية لم تنقل المواقف الدولية من مربع دعم الحل السياسي إلى مربع الحل العسكري الذي تتبناه المجموعة العربية المصرية الإماراتية سواء داخل الجامعة العربية، أو مجلس الأمن الدولي.
الدولة تستدعي التدخل
مسلحو تنظيم الدولة من جانبهم يصرون على استحضار التدخل الدولي في ليبيا، بعدّه نوعا من التمحيص لإيمان أفراد التنظيم، كما أنه سيكون ذريعة لاستدعاء أفراد التنظيم من المغرب العربي، وبعض الدول الأفريقية إلى ليبيا بموجب أوامر تصدر عن قيادته المركزية في بغداد.
يعتقد محللون أن تنظيم الدولة ولاية برقة سيرفع وتيرة عملياته في المناطق التي تتمركز فيها قواته في شروق ووسط ليبيا، وعبر خلاياه في غرب ليبيا، وذلك بهدف لفت أنظار التحالف الدولي ودفعه إلى اتخاذ قرار بالتدخل في ليبيا، سواء أكان ذلك بحجة اختبار إيمان أفراد "الدولة"، كما تسوق بعض قيادتها في ليبيا، أو لتخفيف الضغط على قيادة التنظيم المركزية في العراق بسبب الضربات الجوية التي يشنها التحالف الدولي عليه بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، ومشاركة عربية في التحالف.
السياق الدولي
بدا السياق الدولي "الأمريكي، البريطاني، الإيطالي، ألماني" والعربي "الجزائري، التونسي، المغربي، القطري" رافضا حتى الآن مبدأً عامًا للتدخل العسكري في ليبيا، بسبب غياب رؤية مشتركة أو إجماع دولي حول تفاصيل التدخل والنتائج المحتملة عنه.
كما أن الموقف الولي ذهب إلى أبعد من ذلك، وهو رفض رفع الحظر عن تسليح الجيش الموالي لمجلس النواب، بسبب عدم وضوح رؤية هذا الجيش، الذي يبدو كأنه في نظر الدول الغربية أقرب للمليشيات منها لقوات نظامية، إضافة إلى أن فشل قوات اللواء حفتر في السيطرة على بنغازي أعطت مؤشرا للقوى الغربية بقدرات هذا الجيش في الاحتفاظ وتأمين الأسلحة التي بحوزته.
برأي المراقبين، فإن الدول الغربية ستسير في طريق دعم الحل السياسي، عكس الجناح العربي الذي تقوده مصر، وستعمل الدول الكبرى على دعم حكومة الائتلاف الوطني الجاري الحوار بشأنها بين أطراف الأزمة الليبية، وتحميلها مسؤولية محاربة الإرهاب، مع مطالبة جميع الأطراف الداخلة في الحوار على ضرورة إعلان نبذها العنف والإرهاب.