نشرت صحيفة "إندبندنت" مقالا لروبرت فيسك، حول فكرة التفاوض مع
تنظيم الدولة وغيره من التنظيمات المصنفة بأنها "إرهابية"، وإن كان التفاوض قد يؤدي إلى نتائج إيجابية أم لا، وذلك بناء على دراسة أكاديمية ستنشر نتائجها الأسبوع القادم.
وبناء على الدراسة يطرح الكاتب السؤال الآتي: هل كان بإمكاننا إنقاذ أرواح الرهائن الذين كانوا بيد تنظيم الدولة لو تفاوضنا معه؟ مشيرا إلى أن الأردن أعلن على الملأ استعداده لعملية تبادل مع التنظيم، ويقول: "ألم تبادل أمريكا جنودا أمريكيين بسجناء من
طالبان؟ والأهم: أليس التفاوض مع الأشرار أكثر فعالية في تحقيق السلام من رفض الحديث معهم حتى يلقوا السلاح أو يدمروا؟"
ويضيف فيسك "بصيغة أخرى؛ هل علينا التفاوض مع القتلة من تنظيم الدولة، أو تنظيم
القاعدة، أو حركة
حماس، أو حتى الجيش الجمهوري الإيرلندي؟، أم علينا أن ننضم إلى جنون (القوائم)، ونقوم بإعداد جداول ضخمة لمن نستطيع أن نتحدث معهم ولمن لا نستطيع أو قوائم (خيرين) و(شريرين)، تفصل بين أولئك (
الإرهابيين) الجيدين (منظمة التحرير الفلسطينية والجيش الجمهوري الإيرلندي بعد غود- فرايدي، والنسخة النظيفة من الإخوان المسلمين) و(الإرهابيون) الأشرار (داعش والقاعدة وأي مخلوقات أقل منهم تعدهما إسرائيل وأمريكا، وبالتالي الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، قمة في الشيطنة)".
ويتابع الكاتب: "كنت أتحدث في بيروت من فترة غير بعيدة مع عضو برلمان بريطاني من المحافظين، وكان يحتفظ بعلاقات جيدة مع حزب الله اللبناني، مع الشق السياسي من الحزب طبعا، وليس مع أولئك الأشرار المعادين للسامية، الذين يهددون إسرائيل. ولكن بعدها قررت بريطانيا والاتحاد الأوروبي بأن الحديث مع أفراد حزب الله، حتى المؤيدين الذي لا يعرفون شيئا عن السلاح، يعد محرما، وهذا أدى إلى انقطاع تلك العلاقة بين عضو البرلمان البريطاني وسياسيي حزب الله".
ويشير فيسك إلى أن بحثا في جامعة كوين ماري في لندن ومؤسسة بيرغوف في برلين، قد توصلا إلى أن وضع مجموعات على قوائم الإرهاب لأسباب سياسية واضحة يقف عقبة في "بناء السلام"، كما يعيق المؤسسات غير الحكومية والأكاديميين والمحامين وغيرهم، من توصيل أهمية الاعتدال السياسي وحقوق الإنسان للمجموعات المسلحة. وتوضح فيرونيكا دودويت من مؤسسة بيرغوف أن الدراسة، التي تحمل عنوان "بناء السلام في الحرب الدائمة"، تظهر مفارقة "قوائم الإرهاب" و"تأثيرها الوخيم على النزاعات المسلحة المعاصرة".
ويوضح الكاتب أنه "في غزة مثلا -وهذا رأيي وليس رأي الأكاديميين- فإن المؤسسات غير الحكومية، التي تعمل في مجال حقوق الإنسان وغيرها تقع تحت رقابة سياسية من محامي الدولة المطيعين ومن الدعاية الإسرائيلية والمؤسسات الخيرية الخارجية. فلو قلنا إن إحدى المنظمات غير الحكومية تفاوضت مع حركة حماس لشراء أرض في غزة لبناء مشروع خيري، ستتهم تلك المنظمة بالحديث مع الإرهابيين الأشرار، وستوضع في دائرة الشك. وفي الواقع إن تجنب المؤسسات الخيرية الحديث إلى المنظمات (الإرهابية) جعلها موضع شك. وعندما يقوم عامل في مؤسسة خيرية بطلب جوازات سفر ومعلومات كل من يعيش في بيت ما في غزة؛ لأن مؤسسته تريد أن توظف فلسطينيا، فإن هذا مثير لمخاوف الفلسطينيين، فلماذا يريد هؤلاء الأجانب هذه المعلومات كلها من أناس يعيشون تحت الحصار الإسرائيلي؟".
ويبين فيسك أن التقرير المؤلف من 197 صفحة، الذي سينشر في 24 شباط/ فبراير، يظهر أن المستقبل لا يعد بخير لمن يؤمنون بالحل السلمي للصراعات "وليس ذلك فقط بسبب أن الحرب على الإرهاب تولد أعداء لا يمكن التفاوض معهم، ولكن لأن الهيكل الذي نتج عن هذه الحرب غير الأسلوب الذي تتم به إدارة العنف السياسي. وفي قلب هذا التحول تأتي حرية الحكومات لأن تتهم من تشاء بالإرهاب، بناء على تعريفات فضفاضة لما يستلزم الإرهاب.. ما أدى إلى تخمة في قوائم الإرهاب".
ويلفت الكاتب إلى أن "هناك قوائم دولية ومحلية بآلاف الكيانات (الإرهابية) في أنحاء العالم كله. ويقول التقرير إن الحرب على الإرهاب (وضعت تحديا صعبا في وجه كل من يريد الحل السلمي للصراعات التي تسببت بمظالم حقيقية ولوقت طويل). وباختصار كيف يمكن للوسطاء المهنيين ومنظمات بناء السلام الاستمرار في عملهم إن لم يعرفوا إن كان عملهم قانونيا أم لا؟".
ويقول فيسك: "يحتوي التقرير على الكثير من المصطلحات الأكاديمية التي تغضبني جدا مثل (أدوات مفاهيمية) و(الفاعلين المسلحين غير الحكوميين) و(أدوات ضبط قوائم محاربة الإرهاب)، والسهولة التي تهدد بها الدول الغربية من يتحدثون إلى الإرهابيين بالمحاكمة، بينما يقومون بالتعامل مع العناصر نفسها من خلف ظهر الناس. فإسرائيل تتفق على صفقات التبادل مع حزب الله عن طريق المخابرات الألمانية مثلا".
ويكشف فيسك عن أن "التقرير يتحدث عن قوائم الإرهاب في الصومال وفي الأراضي الفلسطينية المحتلة وكردستان تركيا، ولكن تحليل وضع حركة حماس على القائمة، والإشارة إلى طالبان يحكي القصة كاملة. فاستثناء حركة حماس من العلاقات الدبلوماسية من قبل الاتحاد الأوروبي، الذي يتبع إسرائيل وأمريكا طائعا، تسبب في تهميش الدور الأوروبي في المفاوضات الفلسطينية. وقد انسحبت منظمة غير حكومية أمريكية من تدريب وعمل وساطة مع طالبان في أفغانستان، عندما لم يستطع الدبلوماسيون الأمريكيون إعطاءهم ضمانات بأن عملهم قانوني. وانسحب مركز (كارتر) من المحادثات التي كان يجريها مع قيادات حركة حماس، وفشل مشروع صحة نفسية في غزة بسبب (منع الحديث مع أشخاص مهمين في حماس)".
ويختم فيسك مقاله بالإشارة إلى أن "التقرير البريطاني الألماني يحتوي على تعليق سريالي لإحدى المنظمات غير الحكومية الفلسطينية يصلح أن يكون نهاية للتقرير، جاء فيه (أعتقد أنه يجب علينا الحديث إلى حماس لنعلمهم ولننقل لهم ما يحصل، ولكن لا نستطيع إقامة ورشة عمل ولا أن نقدم قهوة لهم. إنها تعد دعما ماديا لهم.. هل تستطيع أن تتصور؟ لا تستطيع أن تقدم لهم قهوة!)".