لم يكن
الأطفال في
سوريا في معزل عما يجري حولهم، بل كانوا الشريحة الأكثر تضررا في الحرب. فقد تحدثت تقارير منظمات عالمية وأممية عن أن ما يزيد عن خمسة ملايين طفل سوري تأثروا بالحرب الجارية في سوريا، وطالتهم هذه الأزمات من نواحٍ مختلفة، سواء عن طريق حرمانهم من مدارسهم أو عن طريق تأثرهم نفسياً وانعزالهم، كما عانى الأطفال اللاجئون والنازحون بشأن الانخراط في المجتمع الجديد.
وربما الأكثر هو محاولة بعض الأطراف الزج بالأطفال في معمعة القتال التي لا تنتهي، عن طريق تسليحهم أو زرع أفكار في رؤوسهم عن الحرب والسلاح.
وكانت اليونيسف قد أصدرت في اليوم العالمي لتجنيد الأطفال بياناً مفصلاً تذكر فيه بخطورة مشاركة الأطفال في الحرب الدائرة في سوريا وضرورة اتخاذ جميع الوسائل لحمايتهم، خاصة أن هذه الظاهرة قد ازدادت بشكل كبير مع طول عمر الحرب هناك، وبات الأطفال من عمر 12 إلى 18 عاما في خطر حقيقي يتهددهم عن طريق الاتجار بهم في
التجنيد.
ويعتقد أن أول من استخدم الأطفال هو النظام السوري الذي كان يجمعهم في أحياء مؤيدة مجاورة لأحياء معارضة ويزرع في رؤوسهم أن من يعارضونه هم أعداؤهم ويجب عليهم قتالهم. وتكررت هذه الحالات في مناطق دمشقية، كحي برزة الدمشقي المجاور لحي عش الورور المعروف بغالبية سكانه من المؤيدين والشبيحة، وأحياء جنوب دمشق المجاورة لحي نسرين المؤيد، وأحياء حمص المجاورة لحيي عكرمة والزهراء المواليين للنظام.
وتحدث بعض الأهالي عن وجود أطفال يذهبون إلى المدرسة، وكانوا من أبناء ضباط ومسؤولين لدى النظام، يحملون أسلحة ومسدسات يرهبون بها زملاءهم، وحتى النساء من المؤيدات للنظام في تلك المدارس كن يتسلحن أمام زميلاتهن.
وتذكر المدرسة "ابتسام"، وهي موجهة في إحدى المدارس اضطرت فيما بعد للسفر خارج البلد، أنها كانت في يوم من الأيام تؤنب طالباً في في الصف الثاني الإعدادي عندما حتى فوجئت به يصرخ في وجهها ورفع مسدسه رافعا مسدسه، ولم تستطع إدارة المدرسة ردعه لأنه كان معروفاً أنه ابن ضابط أمن كبير، ومنذ تلك اللحظة خافت ابتسام على حياتها وآثرت السفر إلى مصر.
ولم تقل جرائم بعض الجماعات أو الكتائب العسكرية عن جرم النظام في هذا الجانب، حيث يتحدث بعض الناشطين عن استغلال بعض "ضعاف النفوس" من المسلحين ممن يدعون انتماءهم للجيش الحر للأهالي في المناطق المحاصرة، عبر تجنيد أطفالهم مقابل تأمين رواتب شهرية وإعانات غذائية.
وأوضحت اليونيسف في بيان لها أن تنظيم "الدولة" استغل الطفولة بكافة أشكالها، عن طريق بثه صور أطفال صغار دون سن الثامنة وهم مسلحون ويعصبون رؤوسهم بشعارات التنظيم، فيما يقوم قادة في التنظيم بتدريبهم على القيام بالأعمال العسكرية. أما من تجاوز منهم سن الرابعة عشرة فيتم تجهيزهم للقيام بعمليات انتحارية أو يوضعون على الخطوط الأمامية للجبهات.
إضافة إلى ذلك، فإن عمليات الاعتقال الممنهجة التي تمارسها قوات النظام بشكل خاص تجاه الأطفال خلّفت لديهم آثاراً نفسية قد يطول علاجها، فكم من طفل أخذ رهينة عن أخيه المطلوب، وكم من طفلة فاوض النظام عليها أباها.
وتكمن المشكلة حقاً هنا فيمن يوافق من الأهالي على انضمام أبنائهم لهذه المجموعات، مؤيدة كانت أم معارضة، فكل فريق لديه حجته، فالأول يتذرع بأنه يقاتل للدفاع عن وطنه، والثاني يتحجج بأن من أشعل الثورة أطفال ولديهم القدرة على القتال طالما يحملون هذا الفكر الثوري. أما الجماعات المتشددة التي تسقطب أطفالاً، فحجتها أن هؤلاء يجاهدون، ويزرعون في رؤوس الأطفال أن عملهم هذا إنما هو جهاد.
بدورها، تقول "سعاد" المقيمة في تركيا، أن ابنها (16عاماً) تعرف على أحد المؤيدين لتنظيم "الدولة" إلى أن أقنعه بالذهاب معه إلى الشمال السوري، فتذرع الطفل بأنه في رحلة مع صاحبه، حتى إذا وصل سوريا اتصل بأمه وأخبرها أنه هناك ليجاهد، حاولت الأم منعه وتوسلت إليه ليعود إليها، إلا أنه رفض، وبات يحدثها عن الأعمال الانتحارية وكيف أنه سيفجر نفسه انتقاماً للمظلومين.
كل هؤلاء الأطفال في النهاية هم ضحية مجتمع غرق في الحرب وأغرق معه كل الحقوق التي يجب أن يهبها لأطفاله.
هؤلاء الأطفال أيضاً هم ضحية المنظمات الدولية والعالمية المعنية بشؤون الطفولة، فهي حتى الآن لم تتخذ أي إجراء جدي يحد من هذه الظاهرة، واقتصر عملها على إصدار البيانات والتنديد، بل إنها عندما أصدرت البيان تحدثت عن ممارسة جهة معينة ضد فئة من الأقليات فقط، لكنها نسيت أن آلاف الأطفال من الأكثريات يبادون ويستغلون على أبشع نطاق من قبل النظام السوري بشكل خاص.