مساحات شاسعة من المناطق التي سقط فيها
النظام في ريفي حلب وإدلب، تعاني نقصا شديدا في
الأطباء والصيادلة؛ فمعظم الطواقم الطبية والصيدلانية المتبقية في الداخل السوري، تعمل في المشافي الميدانية القريبة من الجبهات التي تكتظ بالمصابين.
ولا يتوفر وقت لأي طبيب أو صيدلاني للاهتمام بشؤون الأهالي الصحية العامة، لوجود حالات طبية وإسعافية كثيرة تحتاج إلى العمل الدءوب وتأخذ الوقت والجهد كله.
هجرة المختصين الصحيين
وتعاني هذه المناطق من هجرة المختصين الصحيين، إلى دول الجوار، إما هرباً من المعارك المتواصلة، وقصف نظام بشار الأسد للمناطق الخارجة عن سيطرته بالبراميل المتفجرة والصواريخ الفراغية بشكل يومي، أو أنهم هاجروا للعمل ضمن اختصاصاتهم في تركيا ولبنان والأردن، أو إلى دول الخليج حيث الرواتب الأعلى، والابتعاد عن الخطر المحيط بمن هم في الداخل على مدار الساعة.
كل الظروف والمعطيات السابقة أدت إلى نشوء فئة "نصف متخصصة" في الشؤون الطبية، باتت تقوم بتغطية النقص الحاصل، وتعمل على تقديم العلاج أو الدواء للمرضى في البلدات والمدن السورية المحاصرة غالباً، إن لم يكن حصاراً حقيقياً فهو حصار من الجو بكم هائل من قذائف النظام وقنابله وبراميله. وعدد كبير من هؤلاء الممرضين باتوا يقومون بدور الأطباء، ويعتمد الأهالي عليهم في ذلك مضطرين مرغمين.
كل "سمان" صار صيدلانيا
أما بخصوص نقص الصيادلة فالأمر صعب جدا، و"حدث ولا حرج"، فقد أصبح كل "سمان" صيدلانياً يبيع
الأدوية، وخاصة تلك الرائجة منها، كــ"أدوية الالتهاب ومواد التضميد وأدوية السكر والضغط وأدوية نزلات البرد"، وما إلى ذلك من أنواع من الأدوية التي يستهلكها الناس بكثرة كونها تستعمل لعلاج أمراض منتشرة بين السوريين.
دكان "أبو عدنان"
"أبو عدنان"، هو صاحب دكان لبيع الخضروات والمواد الغذائية والمنظفات، خصص أحد الرفوف في دكانه، بإحدى قرى ريف حلب الشمالي للأدوية.
ويقول "أبو عدنان": "معظم الناس يعرفون ما يحتاجون من دواء، وليست مشكلتهم وجود طبيب يصفه لهم، فهم يدركون عللهم وأدويتها، لكنهم يعانون دائماً من تأمين الدواء. لذا فقد قمت بتقديم خدمة لهم، وخصصت مكاناً في دكاني لذلك، حيث يشتري مني كل أهالي الحي ما يحتاجون من أدوية.. فمريض ارتفاع ضغط الدم مثلاً يعرف نوع الدواء الذي عليه تناوله، كما أنه يعرف الجرعة المحددة، ودوري أنا هو تأمين ما يلزم وبيعه لا أكثر. كما أنني لا أقوم بوصف أي دواء لأحد، كل شخص يختار ما يناسبه".
ويضيف: "نعم أنا أستفيد من ذلك وأجني بعض الأرباح، لكنني لا أضر أحداً، وعلى العكس أحياناً، إذ إن توفر الدواء لدي قد ينقذ حياة إنسان، مثلما حدث منذ مدة، عندما أيقظني أحد الجيران للحصول على دواء مرض السكري، الذي نفد من عنده دون أن يتنبه لذلك، ولولا وجود الدواء لدي لكان وضعه قد ساء أكثر، ولتعرض لحالة زيادة في سكر جسمه ما قد يؤدي لوفاته".
غياب الرقابة الدوائية
في ظل غياب الرقابة الدوائية وعدم توفر مؤسسة من مؤسسات المعارضة، لمتابعة هذا الموضوع الهام، فقد تحدث الكثير من الأخطاء، التي تعرض حياة الأهالي للخطر، لا سيما عندما يصف لهم الدواء أحد الجاهلين بالأمر، حيث يؤدي ذلك أحياناً إلى كثير من حالات السمية الدوائية، ناهيك عن بيع أدوية منتهية الصلاحية في كثير من الأحيان لجني ربح أكثر.
ومن أطرف ما حدث في ريف إدلب، وبالتحديد في قرية خوين منذ أيام، هو إلقاء إحدى فصائل الجيش الحر القبض على أحد الأشخاص الذين يقومون ببيع الدواء للأهالي.. هذا الشخص يعمل مصلح عجلات "كومجي"، وقد حول محل التصليح إلى صيدلية بعدما قرر الرجل تطوير نفسه، ليتحول فجأة من "كومجي" إلى "صيدلاني". وما زال الرجل معتقلاً والفصيل الذي اعتقله في حيرة من أمره، ولا يعرف كيف ستكون عقوبة هذا الشخص في ظل انعدام القوانين في معظم المناطق الواقعة خارج سيطرة النظام.