يكاد يجمع الكثير من المراقبين أن الهجرة الجماعية للبعثات الدبلوماسية من
اليمن، وإغلاق عدد من الدول العربية والغربية سفاراتها في
صنعاء ينذر بمشهد قاتم في البلاد.
وشهد اليومان الماضيان إغلاق سفارة كل من واشنطن ولندن وفرنسا والرياض، بينما أعلنت السبت كل من هولندا واليابان وإسبانيا وإيطاليا ودولة الإمارات العربية المتحدة وتركيا الانضمام إلى مواكب البعثات الدبلوماسية المغادرة لليمن، ما يدخل البلاد في عزلة إقليمية ودولية على خلفية انقلاب جماعة أنصار الله "
الحوثي" على مؤسسات الدولة اليمنية الشرعية.
ويرى رئيس مركز أبعاد للدراسات الاستراتيجية عبد السلام محمد أن "مغادرة البعثات الدبلوماسية من صنعاء يأتي إما "لتعبير سياسي عن رفض واقع ومتغير جديد غير دستوري، ويتصادم مع القانون الدولي ومعايير الدبلوماسية، أو لكون هذه الدولة في حالة خطر وعلى وشك الذهاب لحرب وفوضى، وإغلاقها ناجم عن إجلاء كل العاملين في تلك الدبلوماسيات حفاظا على حياتهم".
عزلة دولية وفشل حوثي
وأَضاف محمد في حديث خاص لـ"
عربي21" أن "إجراءات الإخلاء الدبلوماسي لدول مهمة إقليميا ودولياً هو تعبير عن حالة سخط من انقلاب الحوثي على مؤسسات الدولة وحالة خوف من دخول البلد في فوضى وحرب"، مؤكداً أن "إغلاق السفارات يُجسّد فشل الحوثيين في حماية السفارات وتطبيع علاقاتهم مع العالم، وهذا الفشل السياسي والأمني هو بوابة لفشل اقتصادي كبير، حيث ستتوقف كل المساعدات والدعم المالي من المانحين الإقليميين والدوليين، وعلى رأسهم دول الخليج"، وفق ما قال.
وأوضح رئيس مركز أبعاد أن "جماعة الحوثي حول من سلطته إلى سلطة شبيهة بسلطة طالبان في أفغانستان التي عاشت في عزلة دولية، لن تخرج منها الجماعة إلا بالتراجع عن حالته الانقلابية، التي يخشى أن تتحول حالة العودة للوراء إلى انتكاسه، لعلمها بحجم الانتهاكات التي ارتكبها مسلحوها منذ أن سيطرت على العاصمة في 21 سبتمبر من العام الماضي".
ولفت رئيس المركز اليمني إلى أن "الحوثي أمامه خياران، الأول: التراجع عن مغامرته السياسية بانتصارات وهمية وكاذبة، من خلال مزيد من إسقاط المدن ومزيد من القتل وسفك الدماء، والآخر الاستمرار في حالة القفز الأعمى للأمام تحت ذريعة مكافحة الإرهاب وحماية الوحدة اليمنية، وفي كلا الأمرين لم تعد هناك عوامل لاستمرار حالة الحوثي التمددية". وفق تعبيره.
وأشار إلى أن "الحوثيين لا يهدفون للسيطرة فحسب، بل قد يرى في الدفع باليمن نحو الفوضى أمرا من شأنه خلق جماعات مسلحة مناهضة له، وبالتالي يضع منطقة الخليج في وضع مهدد مستمر، كما هي الحالة في "العراق وسوريا"، ولاشك، بأن هذا الأمر هدف استراتيجي لإيران.
صراع المحاور
من جهته، قال القانوني والسياسي اليمني فيصل المجيدي إن المشهد في اليمن بات أشهد وضوحاً، ويعكس صراع المحاور الإقليمية والدولية، فإيران، ومن ورائها الدول المرتبطة بها مثل "سوريا والعراق" بالإضافة إلى حزب الله اللبناني، ناهيك عن الحليف الروسي الذي مثل موقفها في مجلس الأمن حائط صد أمام إصدار قرار دولي من شأنه تسمية "الحوثيين بالانقلابين".
أما المحور الآخر بحسب المجيدي، فتقدمه السعودية ومن خلفها دول مجلس التعاون الخليجي، أما السلطات الأمريكية، فتبدو غير مكترثة في ظل تسويق الحوثي نفسه من بوابة الحرب على الإرهاب في اليمن".
وأكد السياسي المجيدي في حديث خاص لــ"
عربي21" أن "جماعة الحوثي وضعت نفسها واليمن في عزلة دولية خانقة، خصوصاً مع تلويح السعودية ودول الخليج باتخاذ عقوبات اقتصادية كبيرة، بدءا بإيقاف الدعم المالي والاقتصادي، وهو ما يكرر مشهد العزلة التي عانت منها البلاد إبان دخول الهادي بن الحسين في العام 285، بل جرى تغييبها عن المسرح العربي والدولي لما يقارب من ألف عام، حتى قيام ثورة السادس والعشرين من أيلول/ سبتمبر 1992، التي أطاحت بحكم الإمامة" على حد قوله.
وذكر أن "خيارات الحوثي في مواجهة العزلة المحلية والدولية محدودة للغاية، مع استعصاء محافظتي مأرب النفطية وتعز شرق وجنوب البلاد، من الرضوخ لسلطته، أضف إلى ذلك الرفض الذي أبدته محافظة جنوب اليمن، وهو مؤشر خطير على أن الحوثيين يقودون البلد نحو المجهول" وفق تعبيره.
وقوبل "الإعلان الدستوري" الذي أصدرته، جماعة الحوثي برفض شعبي وسياسي في اليمن ، أعقبه رفض إقليمي ودولي، التي تعيش فراغاً دستورياً منذ استقالة هادي وحكومته في 22 كانون الثاني/ يناير الماضي، على خلفية مواجهات عنيفة بين الحرس الرئاسي ومسلحي جماعة الحوثي، أفضت إلى سيطرة الحوثيين على دار الرئاسة اليمنية، ومحاصرة منزل الرئيس اليمني وعدد من وزراء حكومته.