وحدهم اللبنانيون قلقون مما سيكون عليه الوضع في بلدهم إذا اتخذت إيران و"
حزب الله" قراراً بالرد على غارة القنيطرة التي استهدفتهما، لأن اشتباكهما اللفظي مع اسرائيل لم يعد يعني سواهما في المنطقة، أكان على المستوى العربي الرسمي، وهو موقف محسوم يستثنى منه حاكم دمشق، لكن هذا بالكاد يستطيع الدفاع عن كرسيه، أو على المستوى الشعبي، بعدما أمعن الحزب في تأكيد خروجه عن الاطار القومي، سواء بانخراطه في قتل السوريين، أو في سقطته الأخيرة عندما فضح تورطه المباشر في البحرين وحرّض على استقرارها.
تعمد الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله في خطابه الأخير الذي جاء قبل ايام من الغارة الاسرائيلية على الجولان، ان يعلن بالتزامن مع معاودة مفاوضات التسوية بين إيران وأميركا ورغبة الطرفين في تعجيل انجازها، بدء هجمة ايرانية جديدة في المنطقة، برز شقها الاول في تركيزه على وضع البحرين وتأكيده القدرة على ايصال السلاح والرجال الى هذا البلد، وتوجيهه دعوة علنية الى العنف ضد نظامها بمقارنته بـ «الصهيونية». وظهر الشق الثاني عبر الهجمة في اليمن حيث يستكمل الحوثيون الموالون لطهران انقلابهم الدموي على سلطة المصالحة الوطنية.
ويبدو ان الاسرائيليين الذين يعتبرون أنفسهم أكثر المعنيين بتبعات الاتفاق بين طهران وواشنطن، ويعرفون تفاصيله، رأوا ان الفرصة مناسبة لاختبار مدى التزام الحزب وعود التهدئة التي قطعتها القيادة الايرانية المنشغلة بتثبيت أحد بنود الصفقة التي تلوح في الافق، أي تعزيز نفوذها في منطقة الخليج التي لا يهمها سواها، عبر محاولة محاصرة السعودية.
وعلى رغم اتخاذ اسرائيل اجراءات احتياطية، مثل نشر بعض منصات منظومة «القبة الحديد» المضادة للصواريخ، ومنع المستوطنين من الاقتراب من الحدود مع لبنان، الا انها تدرك تماما أن اي رد من «حزب الله» سيكون محدوداً للغاية، هدفه الأساس رفع العتب وحفظ ماء الوجه، ولن يتحول الى مواجهة واسعة، لان إيران تريد حالياً اظهار حسن نيتها للاميركيين، وتقدم نفسها «قوة استقرار» في المنطقة، مؤكدة ان «حزب الله» سيكون الضامن للهدوء على حدود اسرائيل الشمالية مثلما كان هذا الدور منوطاً بالنظام السوري قبل 2005.
ولم تتأخر «المكافأة» الاميركية مع إعلان اوباما في خطاب «حال الاتحاد» أمس انه لن يسمح للكونغرس بفرض عقوبات إضافية على ايران، وسيستخدم حقه الرئاسي في نقض أي قرار جديد بهذا المعنى.
وترغب اسرائيل أيضاً من خلال غارتها في «تصحيح» الوضع في الجولان، ومنع نصرالله من «نقل» لبنان الى سورية، بعدما فشل في حرب 2006 في إعادة سورية الى لبنان، لأن
إسرائيل تعتبر أن الاتفاق غير المعلن مع الايرانيين، عبر الوسيط الاميركي، يفصل بين جبهتي جنوب لبنان والجولان، وأن دور الحزب في الدفاع عن نظام الاسد الذي وافقت عليه اسرائيل ضمناً، لا يستلزم وصول عناصره وعناصر «الحرس الثوري» الايراني الى الهضبة.
وهذا يعني توقع توجيه اسرائيل المزيد من الضربات بهدف إعادة تحديد الحيز الجغرافي اللازم لمشاركة الحزب في الحرب السورية، ومنعه من أي محاولة جديدة لتخطيه، من دون كبير حساب لردود فعله، بغض النظر عن سيل التحليلات المتدفق من الجانبين، اسرائيل و"حزب الله"، عن القلق الذي يعتري الاسرائيليين بعد الغارة.
ويبدو حتى الآن أن الحزب سيكتفي بالرد «الافتراضي» الذي أطلقه على «تويتر» ودعا فيه سكان مستوطنات الشمال إلى «تجهيز الملاجئ»، بينما ستكتفي إيران بتهديد إسرائيل بـ «صواعق مدمرة» مثلما فعلت كثيراً في الماضي، فيما كلاهما ينتظر «الجائزة» في الخليج.
(نقلا عن صحيفة الحياة اللندنية)